يؤكد سميح الزين على أن الإسراء والمعراج كان بالروح والجسد ، ولا مجال لتأويل النص القرآني الصريح بما ينافيه ، أو بما هو خرافة ، بعد كل هذا يفسّر قناعته تلك بقوله (١) : «إن القدرة الإلهية قد أثبتت لبني الإنسان ، في أكثر من زمان وفي حياة الناس العاديين ، أن في حياة النبيين والمرسلين لا شأن للقوانين والنّظم التي يعرفها أبناء البشر ، لأنّها تقول للشيء (كن فيكون) ، وهذه الإرادة المطلقة التي خلقت هذا الكون العظيم ، بما فيه من عوالم وآفاق ، هي نفسها ووحدها التي نفّذت الإسراء والمعراج ، ولا يمكن للعقل البشري أن يستغرب وقوع هذا الحدث العظيم عند ما يتذكّر بأن الإرادة الإلهية قد أعطت للنبي سليمان عليهالسلام ملكا لم يعط لأحد من قبله ولا من بعده ، فقد سخّرت له الرياح ذلولا يمتطيها على بساط فتحمله حيث أراد في جوانب الكرة الأرضية ، وقد جعلت له الجن خدما وعبيدا يأتمرون بمشيئته».
وبعد أن يقارن الزين بين هذه المعجزة ومعجزات الأنبياء سليمان وموسى وعيسى وإبراهيم ونوح ، يعود إلى الاستنتاج (٢) «فما العروج بالشكل الذي سمعت إلّا للدلالة على إمكان الخروج من نطاق هذه الكرة الأرضية ، التي تسبح في الفضاء الذي يضمّ الملايين من أمثالها من الكواكب والشموس والمجرّات الهائلة التي تكبرها بملايين ملايين المرات ، وما هو أيضا إلّا إشارة إلى قدرة الله الخارقة لإيقاظ الغافلين ، ولجعلهم يتفكّرون في خلق السموات والأرض وفي أنفسهم ، يحيون عليها بتعاقب الليل والنهار ، إن هي إلّا آية صغرى من آيات الله العظمى ، وما هو أخيرا إلّا بمثابة إعجاز وإلفات نظر العالمين ـ سائر العالمين ـ بالأمس واليوم وفي المستقبل ، إلى أنه إذا تطورت وسائل السفر والانتقال فإن الناس سيجترحون العجائب ، لأن الإسراء والمعراج تم بواسطة نقل إلهية اخترقت جاذبية الأرض وطبقات الأثير ، وطوت المسافات فانعدمت أمامها المسافات ، وطوت الزمن فانعدم أمامها الزمن ، الذي لا دليل عليه إلّا تعاقب الليل والنهار وطلوع القمر هلالا في يوم سميناه أول الشهر ، واختفاؤه في يوم سمّيناه آخر الشهر ، ولا دليل عليه إلّا تقسيم فترات بياض النهار إلى ساعات تتحدّد بطلوع الشمس ومغيبها. هذا وقد حققت معجزة الله العظيم لنبيه الكريم في رحلة عظيمة كانت بالأمس القريب غريبة عجيبة ، وصارت اليوم ـ وبعد غزو القمر مرارا وتكرارا ـ أقرب إلى الذهن والمعقول ، وإن كانت تجد ذاتها وواقعها مدهشة مذهلة كأكثر معجزات الأنبياء والرسل في عالم التقدير والاعتبار.
__________________
(١) خاتم النبيين محمّد ـ سميح عاطف الزين ، ج ٢ ص ٦٣٨.
(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ص ٦٣٩.