صريحا يستطيع الإنسان أن يصل إلى إدراكه إذا هو حاول السموّ بنفسه عن أوهام العاجلة في الحياة ، وحاول الوصول إلى كنه الحقيقة ليعرف مكانه ومكان العالم كله منها».
هكذا يفسّر هيكل الإسراء والمعراج بالروح في إطار علومه وعلوم عصره ، أما إذا قيل له إن الإسراء كان بالجسد والروح فلا يجيب إلّا بالعبارات الغامضة نفسها فيقول (١) : «وأحسبك لو سألت الذين يقولون بالإسراء بالروح في هذا ، لما رأوا فيه عجبا بعد الذي عرف العلم في وقتنا الحاضر من إمكان التنويم المغناطيسي للتحدّث عن أشياء واقعة في جهات نائية ، فما بالك بروح يجمع وحدة الحياة الروحية في الكون كله ، ويستطيع بما حباه الله من قوّة أن يتصل بسرّ الحياة من أزل الكون إلى أبده». وهكذا نخرج من هذه المحاولة المسمّاة «علمية» بأيدي فارغة ، والأسهل تفسير الإسراء والمعراج بالرّوح عن طريق المتصوّفة المسلمين ، من الأنفس ، ولكني أرى أن محاولات تفسير الإسراء والمعراج بالجسد ، التي ذكرها الفخر الرازي في تفسيره ، أكثر قوة وإقناعا ، بل وعلميّة ، ممّا ذكره الدكتور هيكل في محاولته ، علما أنّ علم الأرواح والتنويم المغناطيسي ، بعد هذا الزمن اليسير من عمرهما ، كشف الزيف والكذب عنهما وعن مصداقيتهما.
على أن هذه المفاهيم والمعاني لم تقف عند هذه الحدود الساذجة ، بل كل يوم تأتينا تحليلات جديدة ومعان جديدة ومحاولات تفسير علمية أو شبه علمية ، وسنقتصر على ثلاثة نماذج ممن حاول أن يفهم معجزة الإسراء والمعراج في إطار المفاهيم والمعاني التي يمكن استنتاجها منها.
النموذج الأول ، هو السيد سميح عاطف الزين في كتابه «خاتم النبيين محمّد» ، والذي يعتبر أن معجزة الإسراء والمعراج (٢) «جاءت لتكون ثاني حدثين اثنين في تاريخ الأنبياء والمرسلين الذين يحملون رسالات السماء إلى الأرض ، حيث تم الاتصال المباشر من الخالق سبحانه وتعالى مع اثنين من هذه النخبة المختارة ، حيث كان الاتصال الأول عند ما كلّم الله تعالى نبيه موسى عليهالسلام على جبل الطور في سيناء ، وهذا هو الاتصال الثاني عند ما أسرى الله سبحانه وتعالى بمحمّد صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ سدرة المنتهى ليكون على قاب قوسين أو أدنى ، وليرى ويسمع ويتحدّث في عروجه بما لم يره ولم يسمع به أو يتحدث عنه غيره من الخلق أجمعين». وبعد أن
__________________
(١) حياة محمّد ـ محمّد حسين هيكل ، ص ١٣٢.
(٢) خاتم النبيين محمّد ـ سميح عاطف الزين ، ج ٢ ص ٦٣٧.