أما التفسير الأكثر قبولا منه ، والذي يلمس الجوانب العلمية أكثر ، إضافة إلى الجوانب العقلية والمنطقية ، هو ما طرحه الشيخ محمّد متولي شعراوي ، وسنحاول تلخيص رأيه بشكل دقيق ، مع مقتطفات من نصوص أقواله وكلماته العميقة. وقبل أن يبدأ شعراوي في تفسيره لآية الإسراء ، يعرض لموقع هذا الحدث وأثره في الدعوة الإسلامية ، لكي يزنه بميزان الحدث التاريخي ، فهو يؤكد «أن حدث الإسراء والمعراج يعتبر حدثا ضخما من أحداث الدعوة الإسلامية ، سبقته البعثة وجاءت بعده الهجرة». إذن فهو يزنه بميزان البعثة والهجرة ، وبعد أن يتحدّث عن أهمية كون هذه المعجزة كانت «نتيجة لجفوة الأرض لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ونتيجة لفقد النصير ، ونتيجة لفقد الحامي ، فالله سبحانه وتعالى شاء أن يجعل لرسول الله هذه الرحلة العلوية حتى يثبت له تكريمه ، وحتى يثبت له أن في الله عوضا عن كل فاقد ، وأن الملكوت سيحتفي به حفاوة ، ويمسح عنه كل عناء هذه المتاعب ، وسيعطيه شحنة قوية لتكون أداته في منطلقه الجديد بإذن الله».
بعد ذلك يبدأ شعراوي بتفسير آية الإسراء بتفسير كلمة (سُبْحانَ) ويقول (١) : إن معنى سبحان الله أن الله منزّه في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله ، فإذا صدر فعل قال الله إنه صدر منّي ، فيجب أن أنزهه أنا عن قوانين البشرية ، وألا أخضع فعل الله إلى قانون فعلي ، ولذلك استهل السورة بقوله (سُبْحانَ) حتى يكون أول ما يقرع الإنسان لهذا الحدث العجيب الغريب ، الذي تقف فيه العقول (سُبْحانَ) أي تنزيه ، فإذا قال الله (سُبْحانَ) أي تنزيه لفعلي عن أفعالكم ، معنى ذلك أن قانون الله في الفعل ليس كقانوننا في الفعل ، ثم بعد ذلك (أَسْرى) به ، فالله هو الذي أسرى ومحمّد صلىاللهعليهوسلم هو الذي أسري به ، لما ذا (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) أي الإسراء كان لعلة دافعة هي ليريه الآيات ، ولما ذا يريه الآيات لأنه (هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). وهكذا ، يستنتج شعراوي أن الله سمع الإيذاء الذي أوذي به رسوله صلىاللهعليهوسلم ، وقد رأى الله ما تعرّض له من الجفاء والاستهزاء ، ومن السخرية ومن الإهانة ، كل ذلك برؤية ومسمع من الله ، فحين رأى الله ذلك وسمع أراد أن يريه الآيات ، فأسرى به.
ثم يأتي شعراوي إلى ما أسماه قانون الفاعل ، حيث يقول بأن الله بقانونه أسرى بعبده إليه ، فلا يصحّ أن نؤاخذ محمّدا صلىاللهعليهوسلم بفعل فعله الله به ، لأن محمّدا لم يقل أنا سريت ، لكي نقول له كيف سريت بهذه السرعة ونحن نضرب أكباد الإبل شهرا
__________________
(١) القرآن الكريم معجزة ومنهج ـ محمّد متولي شعراوي ، ص ١٤٥.