وتفعلها أنت بليلة. إذن فالاعتراض على الرّسول صلىاللهعليهوسلم خطأ ، فليس هو الفاعل ، وإنما هو الله ، وفعل الله يكون حسب قوة الله ، وقوة الله تلغي قانون فعل وقوة البشر المحدودة. وهكذا بنى شعراوي سرعة الإسراء بقوة الله على القول (١) «المسافة تتناسب مع القوة تناسبا عكسيا ، فكلما زادت القوة قلّت المسافة» ، والقوة التي فعلت هي قوة الله تعالى ، لذا نجد النتيجة (لا زمن).
إذن ، كلما كانت قوة الفاعل ، إذا كان بشريا ـ سيارة طائرة أو صاروخ ـ فإن المسافة تتناسب عكسيا مع هذه القوة ، وتختصر الزمن حسب قوة الناقل ، فأما إذا كانت هذه القوة خارقة ، وهي قوة الله ، إذن فإن المسافات تلغى ويلغى معها الزمن اللازم لقطعها. هكذا يفسّر شعراوي قدرة الله في الإسراء بتعاملها مع الزمن ، كما أنه يستنتج ، من اعتراض الكافرين على إمكانية الإسراء ، أنّه كان حقيقة وبالجسد لا بالمنام بقوله «فالكافرون بتعنّتهم أمام رسول اللهصلىاللهعليهوسلم خدمونا خدمة كبيرة الآن ، لأننا نقول لو كانت رؤيا منامية لما ناقش فيها أحد ، لأن أي واحد يقص عليك رؤيا ، فقانون المرائي فوق قانون المادة اليقظة ، فما دام قد ناقشوا فيها ووقفوا فيها هذه الوقفة فهم قد فهموا أنّها يقظة وبالجسم والروح».
وإذا كان الغالب على تحليل شعراوي الجانب الروحي ، ويعتمد على تحليل مفردات اللغة القرآنية وما يمكن أن تعنيه في منتهى الاحتمال للمعنى ، إلّا أن الإسراء والمعراج بقي غامضا خاصة في جانب السرعة والمسافة أو الزمن والمكان ، ولما كان القرآن العشرون قد وصل إلى مفاهيم جديدة جدا وغير مطروقة لدى القدماء والمحدثين ، فلنحاول أن نأخذ آخر مفردات العلم المعاصر حول هذه المفاهيم ، لنرى إمكانية تفسير معجزة الإسراء والمعراج على ضوء النظرية النسبية لأنشتاين ، وخاصة في مجال السرعة والزمن والمادة ، فكيف تفهم هذه الرحلة الإلهية على ضوء هذه المفردات العلمية؟
وحينما نصل إلى الحديث عن أكبر سرعة معروفة في العلم الحديث ، لكي نقيس بها سرعة حركة انتقال الرّسول الكريم صلىاللهعليهوسلم على أحدث الاكتشافات العلمية المعاصرة ، فإننا نجد أن سرعة الضوء ، البالغة ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية ، هي المقياس المستخدم والمكتشف في فضاء السرعة ، أما ما توصل الإنسان إلى تحقيقه الآن من سرعة في سفن الفضاء الحالية فإنّها لا تزيد على أربعين ألف كيلومتر في
__________________
(١) القرآن الكريم معجزة ومنهج ـ محمّد متولي شعراوي ، ص ١٤٧.