اختصاص وتقدم في مجاله الذي يبدع فيه ويفخر ، يقول ابن تيمية (١) : «لما كان محمدصلىاللهعليهوسلم رسولا إلى جميع الثقلين جنّهم وإنسهم ، عربهم وعجمهم ، وهو خاتم الأنبياء لا نبي بعده ، كان من نعمة الله على عباده ، ومن تمام حجته على خلقه ، أن تكون آيات نبوّته وبراهين رسالته معلومة لكل الخلق الذين بعث إليهم ، وقد يكون عند هؤلاء من الآيات والبراهين على نبوته ما ليس عند هؤلاء ، وكان يظهر لكل قوم من الآيات النفسية والأفقية ما يبين به أن القرآن حق ، كما قال تعالى (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت / ٥٢ ، ٥٣]. أخبر سبحانه أنه سيري العباد الآيات في أنفسهم وفي الآفاق حتى يتبين لهم أن القرآن حق ، فإن الضمير عائد إليه ، إذ هو الذي تقدم ذكره كما قال (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [فصلت / ٥٢]. ورغم أن التحدي الذي جاء به القرآن أن نزل إلى حدود أن طلب منهم أن يأتوا بسورة من مثله ، وقد تكون السورة ثلاث آيات فقط ، مثل (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر / ١] ، ورغم أنه كانت دواعي العرب وغيرهم على المعارضة تامة ، رغم كل هذا فقد انتفت المعارضة ، وعلم عجز جميع الأمم عن معارضته ، وهذا برهان آخر يعلم به صدق هذا الخبر الذي هو بنفس الوقت آية لنبوة النبي صلىاللهعليهوسلم».
أما تعدد وجوه إعجازه عند الأقدمين فيظهر بأشكال مختلفة ومتعدّدة ومتنوعة ، وكل شكل له وجه إعجازي قائم بنفسه ، ولكي لا نطيل نشير إلى هذه إشارة عابرة وإلا فكتب الإعجاز كثيرة ، من ذلك ما ذكره ابن تيمية من أن (٢) «كونه معجزا يعلم بأدلّة متعدّدة ، والإعجاز فيه من وجوه متعدّدة ، فتنوّعت دلائل إعجازه ، وتنوّعت وجوه إعجازه ، وكل وجه من الوجوه ، فهو دليل إعجازه وهذه جمل لبسطها تفصيل طويل ، ولهذا قال تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آياتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت / ٥٠ ، ٥١] فهو كاف في الدّعوة والبيان وهو كاف في الحجج والبرهان».
إذن ، فمجرد إنزال القرآن على الرسول هو معجزة ، لأن ما في القرآن من مضامين
__________________
(١) تفسير ابن تيمية ـ ج ٢ ، ص ١٣٩.
(٢) المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ١٤٢.