أنزله الله على رسوله ليكون حجة له ودستورا للناس ، ليس من مقاصده الأصلية أن يقرّر نظريات علميّة في خلق السموات والأرض وخلق الإنسان وحركات الكواكب وغيرها من الكائنات ، ولكنه في مقام الاستدلال على وجود الله ووحدانيته وتذكير الناس بآلائه ونعمه ، ونحو هذا في الأغراض ، جاء بآيات نفهم منها سننا كونية ونواميس طبيعية كشف العلم الحديث ، في كل عصر ، براهينها ، ودل على أن الآيات التي لفتت إليها من عند الله ، لأن الناس ما كان لهم بها من علم وما وصلوا إلى حقائقها ، وإنما كان استدلالهم بظواهرها ، فلما كشف البحث العلمي سنّة كونية ، وظهر أنّ آية في القرآن أشارت إلى هذه السنة قام برهان جديد على أن القرآن من عند الله ، وإلى هذا الوجه من وجوه الإعجاز أرشد الله سبحانه بقوله في سورة فصلت : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت / ٥٢ ، ٥٣]».
وهنا إعجاز آخر لم يطرأ على البال. فإذا كان القرآن هو كتاب هداية واعتبار قد أشار في مضامينه عرضا إلى سنن الكون ، فجاءت كل اكتشافات العالم المعاصر تؤيدها وتدعمها ، فكيف لو اتجه حقا لأن يكون كتاب علم واختبار؟ لا شك أنه سيكون أكبر من أن يسعه العقل البشري ، ولأعطى اليقين والحقيقة في كل شيء مباشرة دونما حاجة إلى توسطات التجارب ووسائل الاحتمالات والإحصاءات ، وسيكون هو مقياس الحقائق ذاتها لأنه أعرف بها منها بنفسها ، لما ذا؟ لأن قائل القرآن هو خالق الأكوان مجال العلم والمعرفة. يقول شعراوي (١) : «إن القرآن كلام الله ، والكون خلق الله ، وحقائق الكون الموجودة فيه والتي خلقها الله لا بد أن تنسجم مع كلام الله فلا يكون هناك تضارب ، فإن حصل ما ظاهره التضارب فإما إنك فهمت حقيقة قرآنية وهي ليست حقيقة قرآنية ، وليس هذا المراد من الحقيقة القرآنية ، وإما أنك أتيت بشيء ليس حقيقة علمية وقلت هو حقيقة علمية ، ولكن إذا تأكدنا أن هذه حقيقة قرآنية ـ وهذا هو الفرق ـ وهذه حقيقة علمية ، فلا بد أن يلتقيا لأن قائل القرآن هو خالق الكون».
بل إن بعض المفسرين والباحثين يوحّدون في المعنى بين الكون المنظور ، وهو الوجود ، والكون المقروء ، وهو القرآن ، ويعتبرون أن الكون المنظور هو أدق تفسير للكون المقروء وليس العكس ، يقول د. محسن عبد الحميد ، متحدثا عن
__________________
(١) هذا هو الإسلام ـ محمّد متولي شعراوي ، ص ٢٠٤.