مدرسة الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا في التفسير العلمي ، أنه يجب (١) «الانطلاق من المبدأ القائل كلما ازددنا معرفة بما في الوجود من الأسرار والقوانين ازددنا علما بما في كتاب الله ، ذلك لأن الكون المنظور أعظم وأدق تفسير للكون المقروء ، فلا بد إذن من الاستفادة من العلوم المتنوّعة ، والثقافات الإنسانية المتعددة الحديثة في تفسير القرآن الكريم في داخل الضوابط الأصولية المعروفة بين علماء الإسلام التي تضبط الاتجاه لحركة تفسير القرآن في كل عصر».
ولكن أليس في البحث عن الحقائق العلمية في القرآن ، أو تفسير القرآن تفسيرا علميا معاصرا ما يقود إلى ربط العقيدة بمفاهيم العلوم وحقائقها ، التي قد تتغير مع الزمن ومع الاكتشافات الجديدة ، مما يجعل القول في القرآن خاطئا علميا على التفسير القديم مما يضطرّنا لأن نغير التفسير مع كل حقيقة جديدة للعلوم؟ وبذلك نكون كمن قال في القرآن برأيه ، وهو أخطر التفاسير وأسوؤها؟ لا شك أن هذه المقولة حقيقية عبّر بها بعض الكتاب والمؤلفين ، كالعقاد وبنت الشاطئ وأمين الخولي ، عن ملاحظاتهم على محاولات التفسير القسرية التي تمت في بعض الأقطار العربية ، وبعد أن يؤكد العقاد في كتابه عن الفلسفة القرآنية من أن العلوم الإنسانية (٢) «تتجدد مع الزمن على سنّة التقدّم فلا تزال بين نقص يتم وغامض يتّضح وموزّع يتجمّع ، وخطأ يقترب من الصواب ، وتخمين يترقّى إلى يقين ، ولا يندر في القواعد العليمية أن تتقوّض بعد رسوخ أو تتزعزع بعد ثبوت ، ويستأنف الباحثون تجاربهم فيها بعد أن حسبوها من الحقائق المفروغ منها عدّة قرون ، فلا يطلب من العقيدة أن تطابق مسائل العلم كلما ظهرت مسألة منها لجيل من أجيال البشر ، ولا يطلب من معتقديها أن يستخرجوا من كتبهم تفصيلات تلك العلوم ... الخ» ، لذا يستنتج العقاد من ذلك (٣) «كلا لا حاجة بالقرآن لمثل هذا الادعاء لأنه كتاب عقيدة يخاطب الضمير ، وخير ما يطلب من كتاب العقيدة في مجال العلم أن يحث على التفكير ، ولا يتضمن حكما من الأحكام يشل حركة العقل في تفكيره أو يحول بينه وبين الاستزادة من العلوم ما استطاع وحيثما استطاع».
ولكن ألا يقود هذا إلى تعجيز القرآن أمام العلم ، أو على الأقل إثبات اختلافه معه وهو من أخطر قضايا الاختلاف بين الدين والعلم ، يعود العقاد قائلا (٤) : «فالقرآن
__________________
(١) تطور تفسير القرآن ـ د. محسن عبد الحميد ، ص ٢٢١.
(٢) الفلسفة القرآنية ـ عباس محمود العقاد ، ص ١٨.
(٣) المصدر السابق ، ص ١٩.
(٤) المصدر السابق ، ص ٢٠.