صورة تعكس وقف النشاط الفكري والعلمي وسيادة الخرافات ، واصطبغت العقلية الإسلامية بصيغة القعود والتواكل وانتشار الجهل ، ولما كان الدافع الأساسي لحركة هذه الأمة وانبعاثها هو القرآن الكريم فكان يجب أن يقع اللوم على المفسّرين ، الذين أقعدوا القرآن بتفاسيرهم وخرافاتهم على أن يقوم بفاعليته الأساسية في بعث الأمة ، وأن يبقى منارا قائدا لها في كل زمن وحين ، ولهذا نرى أن بدايات حركة النهضة العربية انطلقت من إعادة النظر إلى القرآن وإعطائه دوره في بعث الأمة ، وذلك من خلال فهمه الفهم الصحيح ، وتجاوز كل التفسيرات المشوّهة التي طرحت كل شيء في أقوالها إلا القرآن ، وقد تجمد القرآن في كتبهم في أحسن أحواله بدراسات لغوية ولفظية وبلاغية ونحوية ومعان جامدة تسودها الإسرائيليات والخرافات الباطنية ، حتى غطت بغبارها على روح القرآن الحقيقية التي كانت أساس بعث أمة أميّة قادت العالم في أنصع وأنضج حضارة في تاريخ العالم ، من هنا كانت دعوة جمال الدين الأفغاني إلى النهضة واليقظة بإعادة النظر في تفسيراتنا للقرآن. يقول الدكتور محسن عبد الحميد وهو يبحث المدرسة الحديثة في تفسير القرآن (١) : «هاجم الأفغاني بشدة المناهج التفسيرية التي أقحمت علوما ومصطلحات غريبة عقلية ولغوية ونقلية في تفسير الآيات ، فحجبت حقائقه عن الناس ، وصنعت من تفسير آياته أحاجي معقدة لا يستطيع إلا العالم الخبير أن يقترب منها ، وتحوّلت كتب التفسير إلى ميادين تعبيرية بالغة الصعوبة يستعرض فيها العالم قوته كلها لإغلاق العبارات ، فحرم المسلم من تذوق القرآن وفهم آياته والانفعال بروحه. ودعا الأفغاني إلى فهم القرآن والسنة النبوية الصحيحة وأعمال السلف الصالح ، أما ما تراكم عليه وتجمّع حواليه من آراء الرجال واستنباطاتهم ونظراتهم فينبغي ألا نعوّل عليها وحيا ، وإنما نعوّل عليها رأيا ، ولا نحملها على أكفنا مع القرآن في الدعوة إليه وإرشاد الأمم إلى تعاليمه ... وكان يدعو إلى منهج في التفسير يقلع ما رسخ في عقول العوام ومعظم الخواص من فهم بعض العقائد الدينية والنصوص الشرعية على غير أوجهها ، مثل حمل نصوص القضاء والقدر على معنى يوجب عليهم ألا يتحرّكوا إلى طلب مجد أو تخلص من ذل».
وهكذا نرى أن الدكتور محسن عبد الحميد يعتقد أن الأفغاني ومحمد عبده ، ورشيد رضا أعادوا للقرآن صورته الحقيقية بعد نزع كل الخرافات والتأويلات
__________________
(١) تطور تفسير القرآن ـ د. محسن عبد الحميد ، ص ٢١٠.