والتفسيرات اللغوية واللفظية ، وكل ما حجب حقيقة القرآن وروحه عن المسلمين ، وكان تفسيرهم المشترك «المنار» هو خير التفاسير التي قدمت لبداية التفسيرات الحديثة للقرآن (١) : «إن ما يؤاخذ صاحب المنار المفسرين عليه هو إخضاعهم النصوص القرآنية الواضحة للمصطلحات العلمية والفلسفية والأصولية الحادثة ، دون أن ينطلقوا من ضوابط صحيحة في التفسير اتفق عليها المحققون من علماء القرآن وفقهاء الأمة ، في تحديدهم مفاهيم الألفاظ واستنباطهم الأحكام من مدلولات التراكيب ، وبناء الأفكار الإسلامية على اتجاهات متينة متفقة مع تلكم الضوابط».
لقد رد تفسير المنار على المفسرين بالرأي وعلى الصوفية وعلى الباطنية وأهل البدع ، ثم قام بتنقية التفاسير من الإسرائيليات الكثيرة والأخبار الواهية التي أفسدت ، على كثير من المسلمين ، حقائق الدين وقوانين الحياة ، فكوّنت عندهم عقلية خرافية تصدق كل خبر دون تمحيص أو تدقيق مما يصطدم أساسا مع الإسلام الذي دعا إلى التفكير والنظر. على أن الملاحظ على هذا المنهج التفسيري العقلي ، ونتيجة لموقعه بين ضغط الخرافة من جهة وضغط الفتنة بالعلم من جهة أخرى ، مما جعله يميل إلى جعل مألوف السنن الكونية هي القاعدة الكلية لسنة الله ، فردّوا الكثير من الخوارق إلى مألوف سنة الله دون الخارق منها ، وإلى تأويل بعضها بحيث يلائم المعقول ، وإلى الحذر والاحتراس الشديد من الغيبيات ، وهو ما ذكره سيد قطب في ملاحظاته عليه. إن هذا المنهج العقلي في التفسير هو الذي قاد لأن ينص ، فيما ينص عليه من ضوابط ، على (٢) «المبدأ القائل كلما ازددنا معرفة بما في الوجود من الأسرار والقوانين ازددنا علما بما في كتاب الله ، ذلك لأن الكون المنظور أعظم وأدق تفسيرا للكون المقروء ، فلا بد إذن من الاستفادة من العلوم المتنوعة والثقافات الإنسانية المتعددة الحديثة في تفسير القرآن في داخل الضوابط الأصولية المعروفة بين علماء الإسلام ، التي تضبط الاتجاه لحركة تفسير القرآن في كل عصر ، وقد تكون هذه هي النافذة التي بدأ منها دخول التفسير العلمي إلى القرآن بالمفهوم المعاصر ، خاصة وأنه تاريخيا بدأ فيما يبدو بعدها بقليل ، وإن كان لم يلتزم في بداياته بالضوابط الأصولية الخاصة بالتفسير فانحرف إلى ما انحرف إليه».
لا شك أن التطرف في التفسير العلمي هو الذي جعله ينحرف عن مساره كتفسير ، إضافة إلى عدم تقيده بالضوابط المعمول بها للتفاسير ، وقد لخص الشيخ خالد العك
__________________
(١) تطور تفسير القرآن ـ د. محسن عبد الحميد ، ص ٢١٣.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٢١.