تكون حجة أو دليلا حاكما لإهمال وترك التفسير العلمي للقرآن ، بل والإعجاز العلمي الجديد له. إن الأخطاء في التفاسير موجودة ، كما ذكرنا سابقا ، فلا يعني هذا أن نترك كل التفاسير لهذه الحجة ، ونحن نرى أن الدكتور محسن عبد الحميد ، بعد استعراضه للتفاسير عبر التاريخ ، يقول عن هذا الاتجاه العلمي (١) : «الذي أعتقده أن من الضروري أن نستفيد من تطور العلوم والمعارف في فهم كثير من الآيات الكونية في القرآن الكريم ، والخطأ في التفسير حينئذ لا يكون خطأ فيه ، إذ من المسلمات عند العقلاء أنه ليس كل ما يذكره المفسرون ، في تفاسيرهم في تفسير القرآن صحيح».
على أن الحجة الأقوى ، التي يذكرها المعترضون على مثل هذا التفسير ، تتلخص ، كما رأينا ، عند العقاد وعند محمد الصادق عرجون وغيرهم كثير ، هو الخوف من تسمية الحقيقة القرآنية الحقيقة العلمية ، ثم يمضي زمن فنكتشف علميا أن هذه الحقيقة ليست علمية ، وبالتالي ينتج أن نخطّئ القرآن أو نغير تفسيره عند كل مستجد من الحقائق العلمية ، خاصة وأن العلوم تتطور وبشكل سريع يجعلها قد تنقلب من النقيض إلى نقيضه أحيانا ، وبذلك نكون قد نزعنا عن القرآن يقينه المطلق المشخص ، وسلّمنا أمره إلى التجارب العلمية الاحتمالية أو النظريات العلمية الافتراضية. وهنا يذكر الأستاد عبد الوهاب خلاف نصا واضحا لا لبس فيه ، يدافع فيه عن هذا السلوك والرأي فيقول (٢) : «وبعض الباحثين لا يرتضون الاتجاه إلى تفسير آيات القرآن بما يقرره العلم من نظريات ونواميس ، وحجّتهم أن آيات القرآن لها مدلولات ثابتة مستقرة لا تتبدّل ، والنظريات العلمية قد تتغير وتتبدل ، وقد يكشف البحث الجديد خطأ نظرية قديمة ، ولكن لا أرى هذا الرأي ، لأن تفسير آية قرآنية بما كشفه العلم من سنن كونية ما هو إلا فهم للآية بوجه من وجوه الدلالة على ضوء العلم ، وليس معنى هذا أن الآية لا تفهم إلا بهذا الوجه من الوجوه ، فإذا ظهر خطأ النظرية ظهر خطأ فهم الآية على ذلك لا خطأ الآية نفسها ، كما يفهم حكم من آية ويتبيّن خطأ فهمه بظهور دليل على هذا الخطأ».
وإذا كان هذا الجواب لا يكفي لأنه يترك فكرة التغيّر على العلم قائمة وبالتالي يتغير التفسير معها ، فإننا نجد تتمة الجواب الأوفى عند شعراوي الذي يقول ، في كتابه «هذا هو الإسلام» ، وفي حديثه عن علاقة الحقيقة العلمية والقرآن ، وتأكيده أن الحقيقة العلمية يجب أن تلتقي مع القرآن لأن القرآن كلام الله وحقائق الكون خلق
__________________
(١) تطور تفسير القرآن ـ د. محسن عبد الحميد ، ص ٢٢٦.
(٢) علم أصول الفقه ـ عبد الله خلاف ، ص ٣٠.