الله ، فلا بد أن ينسجما يقول (١) : «إن الناس لا يفطنون إلى أهمية تحديد ما هو العلم؟ لا يقال علم إلا إذا كانت قضية وأنت تجزم بها وهي واقعة وعليها دليل ، بغير ذلك لا يكون علما ، والعلم من أجل اكتشاف حقائق الكون مفهوم أن يبدأ بالملاحظة ثم التجربة ثم النظرية ثم الحقيقة العلمية ، فلا يقال حقيقة علمية إلا في نهاية المطاف بأن تسلم ، وكل الجزئيات تنطبق على هذه الحقيقة ولا تشذ عنها حقيقة ، فإذا جئت لتخضع القرآن لملاحظة علمية نقول لك هذا غلط ، لأنه من الجائز ألا تنجح الملاحظة بالتجربة ، وإذا جئت لتخضع القرآن لتجربة علمية نقول أيضا هذا غلط ، لأنه من الجائز ألا تنفع التجربة ، وإذا أردت أن تخضع القرآن لنظرية نقول هذا غلط أيضا ، لأن النظرية يمكن أن تخطئ ، لكن إذا وصلت إلى حقيقة علمية نقول لك : إن لم يكن في القرآن ما يؤيدها فليس فيه قطعا ما يعارضها ، لكن نحن نقول أيضا إن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة باستمرار ، ما يسمى بالحقائق العلمية اليوم يخضع للتغيير والتبديل غدا ، هنا لا تكون حقيقة». ويضيف شعراوي أيضا : «إذن ، فالذين يمنعون أن القرآن قد يلتقي ببعض الحقائق العلمية نقول لهم لا ، لكن حققوا أولا أنها حقيقة علمية ، فإذا وصلت مسألة إلى مرتبة الحقيقة العلمية فالقرآن لا يعارضها ، بل يمكن أن يؤيدها».
إذن ، فالخطأ ليس خطأ الحقيقة العلمية وإنما خطأنا نحن في طريقة قراءتنا لها في القرآن. يجب إذن أن نضع ضوابط لطريقة فهمنا وتفسيرنا للقرآن على ضوء العلم بهذه الدقة لكي لا تشتبه علينا الأمور ، لأن أكثر الملاحظات الواردة على التفسير العلمي جاءت من أسلوب التعامل بين الحقيقة العلمية والقرآن ، وعلى هذا الأسلوب ، سليما أو خاطئا ، كانت الأحكام تطلق على التفسير العلمي للقرآن رضا وقبولا ، أو رفضا واحتجاجا ، على أن من الملاحظات التي ذكرت على هذا التفسير أيضا أنها قد تطغى تلك المباحث عن المقصود الأول في القرآن ، وهو الهداية والإعجاز ، وهو ما وصف به تفسير طنطاوي أن فيه كل شيء إلا التفسير ، لأن إسراف المفسّر من هذا يجعل التفسير ليس بتفسير ، حيث يكون أشبه بكتب العلوم والفنون منه بكتب التفسير. لقد ذكر الأستاذ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه «مناهل العرفان في علوم القرآن» أن من آثار امتزاج العلوم الكونية بالتفسير ما يلي (٢) :
__________________
(١) هذا هو الإسلام ـ محمّد متولي شعراوي ، ص ٢٥.
(٢) مناهل العرفان في علوم القرآن ـ محمّد عبد العظيم الزرقاني ، ج ٢ ص ١٠٠.