الإعجاز ، كالإعجاز الغيبي والإعجاز اللغوي والإعجاز العلمي ، وبعد أن يشخص طابع العصر وسيادة المعارف العلمية وبناء فلاسفة الإلحاد إلحادهم على هذه الاكتشافات ، من خلال ادعائهم أنهم عرفوا السبب والمسبب والعلة والمعلول عن طريق العلم اليقين ، فلم يعودوا بحاجة اليوم إلى عزو هذه الظواهر ، التي كنا نراها ، إلى قدرة الله ، وبالتالي وقع التناقض بين الكنيسة والعلم والدين المسيحي والعلم ، لأن الكنيسة بدينها ، كما تعرضه ، يتعارض مع العلم المعاصر. ثم ظهر الهجوم على جميع الأديان ، ومنها الإسلام ، عن طريق ضعاف الإيمان في ديار الإسلام ، وبسبب ضعف المسلمين وغفلتهم وسيطرة أعدائهم عليهم ، بعد كل هذا يقول المؤلف : «وهنا ظهرت المعجزة القرآنية كالمارد الجبار الذي لا يقف في وجهه شيء إلا حطّمه ، لتهتز الأبراج الوهمية التي بناها فلاسفة الإلحاد بالتمويه والتدليس على غفلة من دعاة الدين الحق وبعد عنهم ، ولتقول للناس جميعا ، من مؤمن وملحد : مهلا أيها الناس ، فإن هذا الذي وصلتم إليه لن يكون سببا للجحود والإلحاد ، وإنما هو من أعظم دعائم الإيمان والإذعان ... فتنبه كثير من علماء المسلمين إلى آيات الإعجاز العلمي في القرآن».
إذن ، فالإعجاز العلمي كان دعوة للإيمان ضد الإلحاد في بدء ظهوره ، وزاد إيمان المؤمن إيمانا وصار يعاين المعجزة القرآنية ، كما عاينها العرب الأوائل تماما ولكن بلغة العلم لا بأساليب البلاغة والبيان ، لأن غاية هذه المعجزة هو الدلالة على أن القرآن كلام الله لا من كلام البشر مما يصدق نبوة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ورسالة الإسلام. ولا يدري المؤلف إلى أي مدى سيصل الإنسان في المستقبل من حيث العلوم والمكتشفات ، ولكنه يؤكد أنه (١) «على يقين بأنه كلما تقدمت به العلوم سيضع يده على معجزة جديدة في كتاب الله ، كان في غفلة تامة عنها ، ليعيش الإنسان ، في كل زمان ومكان ، مع المعجزة القرآنية آية بينة لا لبس فيها ولا غموض» ، وهو يرى ، في هذا الإعجاز ، لكل إنسان وفي كل زمان ومكان معنى قول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة).
لقد أكد المؤلف ، منذ البداية ، على سلامة منطلقه الفكري لهذا العمل ، من خلال ربطه بين شمولية الرسالة وختم النبوة وضرورة وجود المعجزة المصدّقة لهما ،
__________________
(١) المعجزة القرآنية ـ د. محمّد محسن هيتو ، ص ١٠.