الإنسان ، في كل عصر من العصور ، أن يجد بغيته في كتاب الله من الإيمان بأن هذا الكلام ليس من كلام البشر وإنما هو من كلام الله ، فكلما تقدمت العلوم الإنسانية كشفت لنا عن سر جديد لم نكن قد اطلعنا عليه من قبل ، وهذا وحده كاف ليدل على أن القرآن ليس من صنع البشر ، إذ يستحيل على البشر ، ولو كانوا على قلب رجل واحد ، وبتفكير رجل واحد ، أن يوجدوا مثل هذا الكتاب الذي لم تتخلف آية واحدة من آياته على توالي الأيام وكدّ السنين والأعوام».
إن المؤلف يدرك حقيقة أن القرآن لم ينزل على أنه كتاب جيولوجيا أو فلك أو غيرهما من العلوم ، وإنما هو كتاب هداية وإرشاد للبشرية الحائرة ودستور أو نظام حياة للإنسانية (١) «يجب علينا أن لا ننسى الوظيفة الأساسية التي جاء من أجلها ، ألا وهي هداية البشر ورسم المنهاج القويم ، فلا يجوز لنا بعد أن ننحرف عن الوظيفة الأساسية لكتاب الله ، وتحميل الآيات ما لا تطيق من المعاني العلمية التي لم تسق الآية من أجلها ولا نزلت لبيانها ، وإنما هي من أوهام القارئ ، وربما انقلبت إلى ضرب من التأويل الباطني الباطل ، كما لا يجوز لنا ، في نفس الوقت ، أن نجمد على معارفنا القديمة الضيقة وتفسيراتنا الجزئية المحدودة المبنية على تلك المعلومات القديمة ..... مما يؤدي في النتيجة إلى فهم القرآن فهما غير سليم في ضوء المعارف الحديثة ، وفي الآيات التي لها مساس بالعلوم».
لذا ، يعرض المؤلف الفئات الثلاث التي انقسم عليها الناس في هذا المجال ، فئة المحافظين المعارضين للتفسير العلمي ، وفئة مبالغة في هذا التفسير العلمي حتى تفسر الآيات على قبول المفاهيم العلمية ، وفئة وسطى بين هذا الإفراط وذاك التفريط ، وهو يرد على الفئة الأولى المعارضة للعلوم بقوله (٢) : «إننا ، نحن المسلمين ، مدعوون في كل زمان ومكان وبنص الشرع إلى الاستفادة من كل حقيقة علمية ، لأن ديننا ، دين العلم والمعرفة ، لم ولن يتعارض في يوم من الأيام مع حقائق العلم في الكون والحياة» ، ويعتبر موقفها تفريطا في حق القرآن وإعراضا عن الفهم الحقيقي للآيات المتعلقة بالكون والحياة ، وقد تقود لإيجاد فجوة بين الدين والعلم مما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقابه ، كما حدث للكنيسة.
كما يرد على الفئة الثانية ، في غلوها ومبالغاتها ، بأنها تحمل آيات القرآن ـ بمناسبة وغير مناسبة ـ على المكتشفات أو القوانين العلمية الحديثة ، مما جعلها
__________________
(١) المعجزة القرآنية ـ د. محمّد حسن هيتو ، ص ١٥٠.
(٢) المصدر السابق ، ص ١٥٢.