تخرج بالآيات القرآنية عن معانيها اللغوية ومدلولاتها الشرعية ، وهي التي وصفها بالبعث كما قدمنا. أما الفئة الثالثة ، فئة التوسط بين جانبي الإفراط والتفريط ، فهي لم تتجمد جمود الفئة الأولى ، ولم تتهور تهور الفئة الثانية ، وهذه الفئة قامت بما يلي :
١) أخذت الآيات التي لها مساس بالعلوم وفهمتها بناء على ضوء المعارف الحديثة اليقينية لا الظنية ، وفي نطاق قوانين الشرع العامة وقواعد اللغة الثابتة ، فرأت فيها كل ما يدل كل ذي عقل على أن هذا القرآن ليس من عند البشر وإنما من عند الله.
٢) وقفت عند ظاهرة النص القرآني إذا كانت دلالته قطعية ، وإن كان يتعارض مع بعض النظريات العلمية الرائجة ، جازمة بأن الخطأ في النظرية العلمية ، وأن على أصحابها أن يبحثوا عن وجه الصواب في موضوعها مستندة على أن العلم لا يتناقض مع الدين ، أو القرآن مع القوانين اليقينية الثابتة.
هكذا ، يعرض الدكتور محمد حسن هيتو منهجه في الإعجاز القرآني في كتابه «المعجزة القرآنية» ، متسلّحا بكل الضوابط التي وضعها العلماء ، فكان كتابه خير نموذج للتفسير العلمي للقرآن ، حيث فسّر فيه اثني وعشرين آية قرآنية بضوء مفردات العلم الحديث ، كما أنه رد على مفهوم الإعجاز العددي في القرآن ، كما ورد عن رشاد خليفة ، وربطه بالتفسير الباطني اليهودي ، فهو يرفض أن يضع في القرآن ما ليس فيه بحجة التفسير العلمي ، كما فعل رشاد خليفة. إن كتاب «المعجزة القرآنية» هو خير نموذج للتفسير العلمي للقرآن ، مبدأ ومنهجا وتطبيقا ، وبمقدار ما نقرأ فيه من علوم ومعارف نجد فيه وظيفة القرآن في الدعوة والإرشاد والهداية متحققة ، فلا نضيع وسط معلومات عن أنظمة الخلق والمخلوقات وننسى رب الخلق ورب المخلوقات وأنظمتها وقوانينها.
وإذا ما أخذنا نموذجا تطبيقيا لمنهج الدكتور محمد حسن هيتو ، فإننا سنرى مقدار وضوح الإعجاز العلمي في الآيات القرآنية التي يختارها منه. ففي تفسيره العلمي للآية الثامنة عشرة ، والتي وضعها تحت عنوان (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات / ٤٩] وشعار (علماء الكون والحياة في قانون الزوجية اليقيني) يقول : «لقد تكرر ذكر الأزواج في القرآن الكريم من أوله إلى آخره مرات كثيرة ، وفي جوانب متعددة من جوانب الحياة ، بل نصت بعض الآيات على أن كل شيء خلق في هذا الكون خلق على قانون الزوجية ، فقال تعالى (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [الحج / ٥] ، وقال تعالى