(وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [الرعد / ٣] ، وقال (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) [الشعراء / ٧] ، وقال جل وعلا (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات / ٤٩] ، وقال (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [النجم / ٤٥] ، وقال (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ) [الزخرف / ١٢] ، ثم قال تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [يس / ٣٦] ، إلى آيات كثيرة في القرآن الكريم ، تتكلم عن الأزواج وعن خلقها ، وأن هذه الأزواج موجودة في جميع معالم الكون والحياة (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
إذن ، فالزوجية لا بد أن تكون موجودة في كل شيء يمكن للإنسان أن يضع يده عليه ، وليست مقصورة على ما يكون من الذكر والأنثى في النبات والحيوان ، أو على ما يمكن أن يتصف بالذكورة والأنوثة ولو مجازا ، لأن الصيغة التي وردت من أبلغ صيغ العموم وأكملها (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).
وحينما يستعرض الدكتور هيتو رأي علماء السلف وأقوالهم في الزوجين يقول بأن فهمهم لهذه الآية كان ضمن طاقاتهم وإمكانياتهم ومعارفهم ، فيما وضعوا عليه أيديهم من معالم الكون والحياة ، حيث فسرها الطبري ، عن مجاهد ، بأنها بمعنى الكفر والإيمان والشقاوة والسعادة والهدى والضلالة والليل والنهار والسماء والأرض والإنس والجن ، وروي عن الحسن البصري أنه قال في هذه الآية : الزوجان هما الشمس والقمر ، وروي عن ابن زيد أنه قال فيهما هما الذكر والأنثى ... ثم قال الطبري : وأولى الأقوال في ذلك قول مجاهد ، وهو أن الله تبارك وتعالى خلق لكل ما خلق من خلقه ثانيا له مخالفا في معناه ، فكل واحد منهما زوج للآخر ولذلك قيل زوجين ، وإنما نبّه جل ثناؤه خلقه على قدرته على خلق ما يشاء خلقه من شيء ، وأنه ليس كالأشياء التي شأنها فعل نوع واحد دون خلافه ، إذ كل ما صنعته فعل نوع واحد دون ما عداه ، كالنار التي شأنها التسخين ولا تصلح للتبريد ، وكالثلج الذي شأنه التبريد ولا يصلح للتسخين ، فلا يجوز أن يوصف بالكمال وإنما كمال المدح للقادر على فعل كل ما يشاء من الأشياء المختلفة والمتفقة ....
ولو أننا تتبعنا كتب المفسرين على اختلاف مناهجهم ، من السلف والخلف إلى عصر النهضة العلمية ، لوجدناها متفقة تقريبا على هذا الذي قاله الإمام الطبري رحمهالله تعالى ، مع توسّع بعضهم في تعداد الأنواع التي لها ضد أو نقيض أو ندّ ، أو شبيه ، واختصار بعضهم الآخر والتقائه بذكر الذكر والأنثى ، وهذا هو الذي كانوا يشاهدونه