يبينان معا ، إن هذه العلاقة نفسها آية من آيات الله» ، «فالعلم كله ، كما يقول المؤلف ، بحاجة إلى هذا الاكتشاف الضخم في كلمات القرآن ، لأنها تحقق ذلك كله ، وتعطي لكل مرحلة منه حقها الواضح الذي يربط بين المادة والأخلاق ربطا عضويا ، كما حدد القرآن لكل كلمة من كلماته قيمة يقينية ، هي أعز من حقائق العلم التطبيقية نفسها».
بهذا المنهج ، يبدأ المؤلف تطبيق تفسيره للقرآن باعتباره هو نفسه تفسيرا للكون والحياة ، ويعتبر أن هذه الدراسة ، في مفردات القرآن وكلماته ، قد حاولها العلماء القدماء حين أحصوا كلمات القرآن ، وأحصوا حروفه ولكنهم لم يعمدوا إلى التدبر العميق في العلاقات الواقعية التي هي متحققة بين كل كلمة من كلمات القرآن وبين أسس الحقيقة على إطلاقها ونهاياتها من أفكار الناس وأعمالهم ... أما الضرورة التي تستدعي أن تكون الحاجة إلى كلمات غير بشرية للتعبير عن الحقيقة ، فيرجعها المؤلف إلى أن الإنسان نفسه واقع في الحياة التي تخضع للتغيير والتضاد والحركة ، فهو ليس فوق متناقضاتها لكي يستطيع أن يحكم عليها من خلال وعي بشري خاضع لها أساسا ، ويربط المؤلف هذه الضرورة للكلام غير البشري بالحاجة الأساسية التي وقع العلم المعاصر بها ، وهو يبحث عن لغة فكرية علمية سديدة ، ويستشهد بآراء بعض المفكرين على ذلك ، وهو يعتبر أن القرآن هو المعجزة الباهرة التي تحل هذه المعضلة حلا لا يمكن أن يتم من أي طريق آخر.
إن العالم مملوء بالكلمات المبهمة والأخطاء اللفظية حتى تحولت الفلسفة إلى ضرب من الأدب ، فتحول العالم إلى لغة الرياضيات كحل لهذه الإشكالات والمبهمات وسوء الفهم ، ولكن لغة الرياضيات تعد وتحسب ولا تشخّص وتصف ، ولا تحقق وجودا لغويا حيا متصلا بتغيرات الحياة وتضادها واتصالها ، فهي تعجز عن التعبير عن ذلك. إن تكاثر الحياة ومفرداتها واختلافاتها تستدعي لغة أو كلمات تناسبها بعددها لكي تصفها ، وهكذا كلما تكثرت حاجات الحياة تكثرت اللغة أو الكلمات الدالة عليها ، ولما كانت تغيرات الحياة لا نهائية وغير محدودة ولا يمكن الوصول إلى كلمات غير محدودة ولا نهائية ، لذا وجب أن يكون هناك من يجمع كل تناقضات الحياة ويعلو عليها ، ولا يجعلها مقابلة لألفاظ أو كلمات اللغة ، وإنما أيضا حاكما عليها بالحقيقة ، تلك اللغة والكلمات هي لغة القرآن وكلماته غير البشرية ، لذا نرى المؤلف يؤكد على أن (١) «الحق هو ظهير للكلمة ، فإن عبدنا الحقّ
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ٧٦.