الكون ، ذلكم هو القرآن» ، ولذا (١) «فإن عقلاء العالم كله ليعجبون كيف يكون في عالم الناس (القرآن) ولا يجعلونه قبلتهم جميعا لفهم الحياة وتفسيرها ، ومعرفة الحقيقة والعمل بها».
إن الكتاب الذي يحق له أن يحكم العالم ، لا بد أن يتّصف بأنه ليس بحاجة إلى تعديل أو إضافة لأن أحكامه يقينية ، بمعنى أن كل علاقة يعقدها بينه وبين الحياة ، لا بد أن تكون علاقة تخضع كل تجارب الناس ، وكل علاقاتهم بالحياة للفوز المبين المعقود على نواصي كلماته ، فما بالنا إذا ثبت ، بالدليل القاطع ، مع ذلك كله أن كلمات القرآن حقائق ثابتة لها وقائعها في الحياة كلها فيما يتعلق بالنصوص التي تدور حول الحياة الدنيا ، إذ حقائق الحياة هي وسائل إيضاح لكلمات القرآن ، وما وسائل الإيضاح هذه إلّا ... إن كلمات القرآن تحكم الحياة الحقيقية ، ولا تحكم ظروفا محددة لدرس من الدروس ، أو عبرة من العبر التي تنتهي بلحظة إلقائها. إن الحياة متصلة ومفصلة ، وكلام الله متصل ومفصل ، وهو يهيمن باتصاله وتفصيله على اتصال الحياة وتفصيلها. كلمات القرآن ، كما سنتبين حقيقتها المعجزة في هذا الشأن بعون الله ، تنفرد بمعجزة عظمى لا نظير لها في أي ألفاظ في أي كلام ، وصدق الله العظيم (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل / ٩٣].
ويشبّه المؤلف عمله بعمل الفيلسوف البريطاني برتراند رسل حينما حاول أن يصنع لغة رياضية خاصة تعتمد الرقم والعدد لتحكم وقائع الحياة حكما عدديا ، ثم حكما وصفيا أخلاقيا جدليا عمليا ، ولكنه فشل بذلك ، لأن مدار بحثه كان لغة البشر وفكر البشر وعلم البشر ، ولو بحث هذا بالقرآن لوجده ، كما فعل المؤلف نفسه بهذه الكلمات مع الاختلاف الظاهر بالشكل ، وينتهي هذا الفصل بالتعميم التالي الذي يسميه المؤلف الحقيقة الكبرى (٢) «إن كلمات القرآن أكثر واقعية ـ وأعز حقيقة ـ من مصطلحات الحقائق العلمية الثابتة ، ولا نقول الفروض أو النظريات. إن الكلمة القرآنية (آية) ، ومعناها العلاقة والدلالة ، قد وحّدت في مدلولها بين الآية القرآنية وبين الآلة المحسّة في الوقائع المادية في الحياة ، على أساس أن مدلول كلمة الآية هو الوسيط بين علاقات الأشياء بحقائقها النسبية والحقيقة الكلية المطلقة» ، بل إن هذا التطابق بين الكلمة القرآنية والحياة يعتبره المؤلف آية بنفسها من الله «وكل من الكلمة القرآنية وواقعها في الحياة بينها علاقة حكم للقرآن ، وخضوع في واقع الحياة
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ٤٤ ـ ٤٦.
(٢) المصدر السابق ، ص ٤٨ ، ٤٩.