القرآن فتفصيلها يعني ثباتها ، وكل ثبات هو يقين ، أي وصول إلى حل ثابت ونهائي لكل معضلة. فالقرآن ثابت الكلمات مثبّت لسائر الأحوال المختلفة في الحياة بكلماته الثابتة ، وهي ثابتة لأنها لا تتكرر ، وهي لا تتكرر لأنها مفصّلة تفصيلا مطلقا (١) «فمهما تتغير الحياة ومهما يكتشف الناس من العلوم ، فالقرآن يحكم حكما ماديا أخلاقيا ـ ما ـ على كل شيء بهذا التفصيل المعجز الذي حققه الله لكلماته ، وهو تصنيف مطلق الدّقة والإصابة» ، ويصف المؤلف هذا الثبات بقوله (٢) : «والثبات الصحيح في الحياة هو التطابق بين كلمات القرآن ، وبين تغيرات الحياة ومكتشفات العلم» ، فليس عجيبا بعد ذلك أن يكون القرآن سابقا بما كشف عنه من العلم قبل اكتشافنا للكثير منه ، وقبل ما نعلم في المستقبل ، فندرك أن القرآن سابق بالحق أبدا ، ويعتقد المؤلف أن «هذه هي معجزة التكوين الفذ المعجز لعلاقات الكلمات القرآنية فيما بينها وأحكام هذه الكلمات القرآنية في حكمها للوقائع التي تكوّن الحياة في جملتها وتفصيلها» ، ويفترض المؤلف ، دلالة على إعجاز القرآن ، أنه لو حاول أي مؤلف لكتاب أن يؤلف كتابا فيه إحصاء لعدد الكلمات التي يتكون منها فلا بد أن تكون كل كلمة ترد فيه إما مرة واحدة أو أكثر ، ولن يجري أحد إحصاء مثل هذا لأن العلم الذي فيه علم احتمالي ويحتمل الخطأ ، وحتى ولو كانت فيه حقائق العلوم المعروفة فإنها قد تتطور وتتغير ، وبالتالي فإن أي إحصاء أو تبويب من هذا النوع إنما هو شيء لا يجرؤ عليه أحد ، لأنّ المقصود من هذا الإحصاء هو التعبير عن مقولات فكرية عملية حقيقية لكل مادة لغوية يعبر عنها لفظ من الألفاظ ، وفي علاقاتها مع غيرها ، ثم إنها تدل على واقع الحياة المقابل لهذه المقولة ، أما السبب فلأن مثل هذا الكتاب سيكون جزءا من الحياة هي حقيقتها ، أما الألفاظ والمقولات التي لا تجد رصيدها في الواقع فهي من الأوهام ، لأن أي كلمة حقيقية تعني التطابق بين أي شيء في الحياة وأي شيء آخر على نحو يتيح شيئا صحيحا ينفع الحياة والأحياء ، وهكذا يصل المؤلف إلى القول : «إن الناس جميعا لا يمكنهم أن يؤلّفوا كتابا من أي نوع تنطبق عليه هذه الشروط القاسية أو كل الشروط المستحيلة» ، ويبرّر ذلك بقوله : «لأن صلة وعينا بالحياة كلها ، صلة احتمالات وتغيرات ومفاجآت وانقطاع عن العلم الحقيقي».
وهكذا يصل المؤلف إلى القول بأنه (٣) «في العالم كله كتاب واحد ، قدم للناس جميعا حقائق العلم ، قبل أن تثبت في معارك العلاقات بين الوعي البشري وبين مادة
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ٢٥.
(٢) المصدر السابق ، ص ٢٨.
(٣) المصدر السابق ، ص ٣٩ ـ ٤٠.