من العلوم ، كالطب والفلك وعلوم الذرّة والرياضيّات وغيرها ، كوسائل لتدبّرنا للقرآن؟ يجيب أن الاحتياط الواجب اتخاذه هنا هو أن يكون المنطلق من كون هذه العلوم هي في مكان خضوعها للقرآن وخضوع كل شيء لأحكام القرآن «إننا مثلا حين نصنع الصواريخ ، وحين نصعد للقمر ننظر للإنجاز في ذاته والمنجزات في ذاتها ، ولا ندرك أن القرآن وصّل كل شيء بكل شيء فالأخلاق التي تحدّد لنا قيمة المنجزات وطريق عملنا بها إنما هي في القرآن. إن القرآن يحكم القوانين الأساسية لحركة الفصل والوصل في أعمق أعماق النفس والحياة ، القرآن يحكم حركة الحياة التي نجهل مصيرنا في غاياتها البعيدة» والمؤلّف يستغفر الله العظيم حينما يقال له إن العلم البشري من جهة ، والقرآن من جهة يكمل بعضهم بعضا ويجيب (١) : «القرآن في الحكم لأنه كلام الله فهو (الآمر) وحياتنا في الخضوع لأنّها من خلق الله فهي في (الخلق) ، يقول الله تعالى (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) [الأعراف / ٥٤] ، فحقيقة ذلك أن أي ابتداع في العلوم إنما هو الخضوع القهري لكلام الله ، فإن عرف الناس حسن الأداء للمنتجات فهم متصلون فكرا وعملا بالحياة ، فهذا الاتصال هو الحق والله يحقّ الحقّ بكلماته».
ولعلّ من أخطر ما جاء به هو قوله بأن القرآن هو الذي يحدّد اللغة وليست اللغة هي التي تحدّد القرآن ، في تعليقه على تفسير ابن تيمية لكلمة الصمد ، والتي قال بأن معناها اللغوي (غير الأجوف) ويقول (٢) : «أستغفر الله العظيم ، إن الله تعالى ليس كمثله شيء والأشياء منها الأجوف ومنها المصمد ، وهذه العثرة الكبرى من عثرات الكرام قد أدّى إليها الاعتماد على اللغة ، والقرآن هو الذي يحدّد اللغة ، وليست اللغة هي التي تحدّد القرآن ، ألم نتدبر معا من قبل قوله تعالى (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) [الرعد / ٣٧] ، فالقرآن ، إذن ، كلماته هي أحكامه ، والكلمة من كلمات اللغة إذا كانت قد جاءت في القرآن فهي بموقعها من القرآن ، وبصيغتها القرآنية إنما هي حكم يزيدنا بيانا كلما ازددنا توسعا في التدبّر ، ونحن في التدبّر خاضعون بلغتنا وحياتنا كلها لهذه الأحكام القرآنية».
__________________
(١) القرآن تفسير الكون والحياة ـ محمّد العفيفي ، ص ٣١١.
(٢) المصدر السابق ، ص ٣١٥.