ورد في القرآن ، ويستنتج أن الحسّ يدل على أن الرياح تنتقل عند شدة هبوبها من مكان إلى مكان في غاية البعد في اللحظة الواحدة ، إذن فالحركة السريعة ممكنة بذاتها.
٤) إن القرآن يدل على أن من عنده علم من الكتاب أحضر عرش بلقيس من أقصى اليمن إلى أقصى الشام في مقدار لمح البصر بدليل قوله تعالى (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل / ٤٠] وإذا كان ممكنا في حق بعض الناس علمنا أنّه في نفسه ممكن الوجود.
٥) إن من الناس من يقول : الحيوان إنما يبصر المبصرات لأجل أن الشعاع يخرج من عينيه ويتصل بالمبصر ، ثم إنّا إذا فتحنا العين ونظرنا إلى رجل رأيناه ، فعلى قول هؤلاء انتقل شعاع العين من أبصارنا إلى رجل في تلك اللحظة اللطيفة ، وذلك يدل على أن الحركة الواقعة على هذا الحد من السرعة من الممكنات لا من الممتنعات ، فثبت ، بهذه البراهين ، أن حصول الحركة المنتهية في السرعة إلى هذا الحد أمر ممكن الوجود في نفسه. وهكذا يستنتج الرازي أن هذه الحركة لما كانت ممكنة في نفسها وجب أن لا يكون حصولها في جسد محمّد صلىاللهعليهوسلم ممتنعا ، والذي يدل عليه في رأيه «أن الأجسام متماثلة في تمام ماهيّاتها» ، فلما صح حصول مثل هذه الحركة في حق بعض الأجسام وجب إمكان حصولها في سائر الأجسام ، وذلك يوجب القطع بأن حصول مثل هذه الحركة في جسد محمّد صلىاللهعليهوسلم أمر ممكن الوجود (في نفسه) ، ويضيف لهذا «ثبت بالدليل أن خالق العالم قادر على جميع الممكنات ، وثبت أن حصول الحركة البالغة في السرعة إلى هذا الحد في جسد محمّد صلىاللهعليهوسلم ممكن ، فوجب كونه تعالى قادرا عليه ، وحينئذ يلزم من مجموع المقدمات أن القول بثبوت هذا المعراج أمر ممكن الوجود في نفسه .. أقصى ما في الباب أنه يبقى التعجّب إلّا أن هذا التعجّب غير مخصوص بهذا المقام ، بل هو حاصل في جميع المعجزات».
ومن أعجب التفسيرات التي ذكرها الآلوسي في تفسيره عن مسألة المعراج ، وضمن إطار مذهب القدامى نفسه ، ما ذكره وهو لا يؤمن به حيث يقول (١) : «ومن العجائب ما سمعته عن الطائفة الكشفية ، والعهدة على الراوي ، أن للروح جسدين : جسد من عالم الغيب لطيف لا دخل للعناصر فيه ، وجسد من عالم الشهادة كثيف مركّب من العناصر ،
__________________
(١) روح المعاني ـ الآلوسي ، ص ١٠ ـ ١١.