وقد مهّدنا ذلك في شرح الحديث بما الكافي منه الآن لكم ترجيح الجواز ؛ لأنّ النهى إنما كان لتخليص الاعتقاد من أن يعتقد لغير الله عبودية أو في سواه ربوبية ، فلما حصلت العقائد كان الجواز.
المسألة السادسة ـ قوله تعالى : (بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ).
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة بضم التاء ، وكأنّ معناه لا تتخذوهم عبادا بحقّ تعليمكم ، فإنه فرض عليكم أو إشراك في نيّتكم ، أو استعجال لأجركم ، أو تبديل لأمر الآخرة بأمر الدنيا ؛ واختاره الطبري على قراءة فتح التاء.
قال شيخنا أبو عبد الله العربي : كذلك يقتضى صفة العلم وقراءته ؛ لأنّ العلم إنما هو للتعليم لتحريم كتمان العلم ، والأمر في ذلك قريب ؛ وليس هذا موضع تحريره.
الآية الثانية عشرة ـ قوله تعالى (١) : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ).
معناه تصيبوا ، يقال : نالني خير ينولنى ، وأنالنى خيرا ؛ ويقال : نلته أنوله معروفا ونولنه ، قال الله تعالى (٢) : (لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها) ؛ أى لا يصل إلى الله شيء من ذلك لتقديسه عن الاتصال والانفصال.
المسألة الثانية ـ (الْبِرَّ) قد بيناه في كتاب الأمد الأقصى وشفينا النفس من إشكاله.
قيل : إنه ثواب الله ، وقيل : إنه الجنة ؛ وذلك يصل البرّ إليه لكونه على الصفات المأمور بها.
المسألة الثالثة ـ (حَتَّى تُنْفِقُوا).
المعنى حتى تهلكوا ، يقال : نفق إذا هلك (٣). المعنى حتى تقدّموا من أموالكم في سبيل الله ما تتعلّق به قلوبكم.
المسألة الرابعة ـ في تفسير هذه النفقة :
__________________
(١) الآية الثانية والتسعون.
(٢) سورة الحج ، آية ٣٧
(٣) في المصباح : نفق الشيء : فنى ، وأنفقته : أفنيته.