المسألة الثانية ـ كان الحجّ معلوما عند العرب مشروعا لديهم ، فخوطبوا بما علموا وألزموا ما عرفوا ، وقد حجّ النبىّ صلّى الله عليه وسلّم معهم قبل فرض الحج ؛ فوقف بعرفة ولم يغيّر من شرع إبراهيم ما غيّروا حيث كانت قريش تقف بالمزدلفة ، ويقولون : نحن أهل الحرم فلا نخرج منه ونحن الحمس.
المسألة الثالثة ـ هذا يدلّ على أنّ ركن الحج القصد إلى البيت. وللحج ركنان :
أحدهما ـ الطواف بالبيت. والثاني ـ الوقوف بعرفة ، لا خلاف في (١) [٩٦] ذلك ، وكل ما وراءه نازل عنه مختلف فيه.
فإن قيل : فأين الإحرام ، وهو متّفق عليه؟
قلنا : هو النية التي تلزم كلّ عبادة ، وتتعيّن في كل طاعة ، وكل عمل خلافها لم يكن به اعتداد ؛ فهي شرط لا ركن.
المسألة الرابعة ـ قال علماؤنا : إذا توجّه الخطاب على المكلفين بفرض ، هل يكفى فيه فعله مرة واحدة ، أو يحمل على التكرار؟
وقد بيناه في أصول الفقه دليلا ومذهبا.
والمختار أنه يقتضى فعله مرة واحدة ، وقد ثبت أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له أصحابه : يا رسول الله ؛ أحجّنا هذا لعامنا أم للأبد؟ فقال : لا ، بل لأبد الأبد (٢). رواه جماعة منهم علىّ ؛ قال : لما نزلت : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ـ قالوا : يا رسول الله ؛ أو في كل عام؟ قال : لا ـ ولو قلت : نعم ، لوجبت.
وروى محمد بن زياد عن أبى هريرة (٣) : خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إن الله سبحانه كتب عليكم الحجّ. فقال محصن الأسدى : أفي كلّ عام يا رسول الله؟ قال : أما إنى لو قلت نعم لوجبت ، ثم لو تركتم لضللتم؟ اسكتوا عنى ما سكتّ عنكم ، إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ؛ فأنزل الله تعالى (٤) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ).
__________________
(١) من أول المسألة الثامنة التي سبقت في صفحة ١٨٧ إلى هنا ساقط في م ، مع أن أرقام الصفحات متتالية فيها.
(٢) الأبد : الدهر ، أى هي لآخر الدهر (النهاية).
(٣) صحيح مسلم : ٩٧٥ ، والقرطبي : ٥ ـ ١٤٣
(٤) سورة المائدة ، آية : ١٠١