وهذا ما أوضحه القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) ويتصاعد الأسلوب التهديدي الذي يواجههم بالحقيقة التي تنتظرهم في ما ينتظرهم من عذاب الله الذي كذبوا به : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وذلك هو جزاء كل هؤلاء الناس الذين يواجهون الحقيقة بالسخرية والاستهزاء ليهزموا دعاتها نفسيا .. ولكن الله أمر رسله أن يثيروا في داخلهم الشعور بالحقيقة المرعبة التي سيلاقونها غدا عند ما يلاقون وجه الله ، ليوحوا إليهم بأن أساليبهم لا تجدي في ما يحاولونه من هزيمة المؤمنين ، بل سترتد عليهم سخرية واقعية تتمثل في أوضاعهم السيئة في نار جهنم.
* * *
الهلاك للجاحدين والكافرين بنعم الله
وما ذا ينتظر هؤلاء وغيرهم من المكذّبين؟ هل ينتظرون إلا الهلاك الذي حلّ بالقرون السالفة من قبلهم؟ (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) بما أعطاهم من وسائل القوة ، وأسباب النعيم ، (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) فقد أرسل السماء عليهم بأمطارها الغزيرة (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) وتحولت الأرض من خلال ذلك إلى أنهار تجري من تحتهم .. ولكنهم لم يشكروا ولم يخضعوا لله ، (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) فأهلكهم الله بذنوبهم ، وأنشأ من بعدهم قرنا آخرين ، فأين ذهب هؤلاء كلهم؟ وماذا حدث للأرض وللسماء من بعدهم؟ ... لم يحدث شيء .. بل استمرت الحياة كما أرادها الله في قوم آخرين ، وهكذا تستمر الحياة مع غيرهم ، فلا يتصور أحد أن أيّا من تصرفاته يمكن أن يغيّر من سنّة الله في الحياة ، بل عليه أن يعرف بأن الأمر كله لله ، وأن الذي أوجد الكون بإرادته قادر أن يزيله بتلك الإرادة الحكيمة القادرة