من أمراض وعوارض وبلايا ، دون أن يملك أمر مقاومتها أو دفعها عن نفسه. ومنها : هذا الحديث الدائم عن الموت ، بالحديث عمن هلكوا وعمن أهلكهم الله من القرون السالفة التي كانت تملك من القوّة أكثر مما يملكها المخاطبون ، للإيحاء للإنسان بأن القدرة التي يملكها هي قدرة محدودة مستمدة من الله وخاضعة في استمرارها لإرادته المطلقة ، الأمر الذي يحث الإنسان على التواضع في نظرته إلى نفسه ، وفي خضوعه لله من خلال الخضوع للقدرة العظيمة في سلطانه.
فليس هدف القرآن الإيحاء بالهزيمة والانسحاق تحت تأثير الشعور بالموت ، بل تحقيق التوازن في شعوره بالحياة وارتباطه بحركتها الممتدّة في طاقاته ، فلا يفقد الأمل بالامتداد لما أودعه الله فيه من طاقة قابلة للاستمرار ، ولما أثاره في نفسه من الثقة به والرجوع إليه ، ولا يسترخي أمام قوة الحياة في داخله ليستسلم لها استسلاما مطلقا ، بل يشعر بأن الموت يمكن أن يأتي في أية لحظة ، ليظل الإنسان منطلقا في خطّ العبرة الموحية التي تجعله يفكر بالموت حين يستحضر التاريخ ، ويعيش الحاضر ، ليقوده ذلك إلى التفكير في ما بعد الموت ، فيتحول إلى حالة من الانضباط في الحياة العملية تحت تأثير هذه الفكرة.
* * *
الإنسان وقانون القضاء والقدر
وهناك عدة إشارات في هذه الآيات :
١ ـ إن قانون السببية شامل للمواقف الإنسانية كما هو واقع في الظواهر الكونية ، فقد جعل الله الواقع الإنساني خاضعا للمواقف التي يتخذها الإنسان من خير أو شر ، وهذا ما يجعل النتائج الإيجابية أو السلبية في حياته تابعة لذلك. وهو ما يوحي إلينا بأن الله أو كل للإنسان أمر صياغة دنياه كما أوكل إليه صياغة مستقبله في آخرته ، وذلك بقدر ما يتصل الأمر بإرادته واختياره ، وهذا ما يصح لنا معه أن نقول : إن الإنسان يصنع قضاءه وقدره