(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١٠٨)
وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) بضم السين ، وقال أبو عمرو : والدليل على أنه سعدوا أن الأول شقوا ولم يقل : أشقوا قال أبو جعفر : رأيت علي بن سليمان يتعجّب من قراءة الكسائي (سُعِدُوا) مع علمه بالعربية إذ كان هذا لحنا لا يجوز لأنه إنما يقال : سعد فلان وأسعده الله جلّ وعزّ فأسعد مثل أمرض وإنما احتجّ الكسائي بقولهم : مسعود ولا حجّة له فيه لأنه يقال : مكان مسعود فيه ثم يحذف فيه ويسمّى به واحتجّ بقول العرب : فغرفاه وفغرفوه ، وكذا شحاه (١) وسار الدابة وسرته ونزحت البئر ونزحتها وجبر العظم وجبرته ، وذا لا يقاس عليه إنما ينطق منه بما نطقت به العرب. قال أبو جعفر : وسمعت علي بن سليمان يقول : لو قال لنا قائل : كيف تنطقون بالمتعدّي من فغرفوه؟ ما قلنا إلّا أفغرت فاه ، وهذا الذي قال حسن ويكون فغرفاه ليس بمتعدّي ذلك ولكنها لغة على حدة. (عَطاءً) اسم للمصدر (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) من نعته يقال : جذّه وحذّه كما قال : [الطويل]
٢٢٢ ـ تجذّ السّلوقيّ المضاعف نسجه |
|
ويوقدن بالصّفّاح نار الحباحب (٢) |
(فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (١٠٩)
(فَلا تَكُ) في موضع جزم بالنهي وحذف النون لكثرة الاستعمال. وأحسن ما قيل في معناه : قل لكل من شكّ (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) إنّ الله جلّ وعزّ ما أمرهم به وإنما يعبدونها كما كان آباؤهم يفعلون تقليدا لهم.
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (١١٠)
(وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) والكلمة أنّ الله جلّ وعزّ حكم أن يؤخّرهم إلى يوم القيامة لما علم من الصلاح في ذلك. ولو لا ذلك لقضي بينهم
__________________
(١) شحا يشحو الرجل : فتح فاه.
(٢) الشاهد للنابغة الذبياني في ديوانه ٤٦ «تقدّ السلوقيّ .. وتوقد» ، ولسان العرب (حجب) و (صفح) و (سلق) ، ومقاييس اللغة ٢ / ٢٨ ، والتنبيه والإيضاح ١ / ٥٨ ، ومجمل اللغة ٢ / ٢٨ ، وكتاب العين ٥ / ٧٧ ، وتهذيب اللغة ٤ / ٢٥٧ ، وجمهرة اللغة ١٧٤ ، وبلا نسبة في كتاب العين ٣ / ١٢٢ ، وجمهرة اللغة ٨٥١ ، وتاج العروس (حبب) و (صفح) و (سلق).