وهذا أحد قولي (١) الفراء ، وله قول آخر وهو قول قطرب وأبي عبيدة وأبي حاتم يكون الأصل يا أبتاه ثم حذف الألف ، ويكون الوقوف عند الفراء على قول بالتاء لا غير ، وعلى القول الذي وافق فيه سيبويه بالهاء عندهما جميعا لا غير وهذا القول خطأ لأن هذا ليس موضع ندبة والألف خفيفة لا تحذف ، وقال قطرب أيضا في يا أبت بالفتح يكون الأصل يا أبتا ثم حذف التنوين ، وقال أبو جعفر : وهذا الذي لا يجوز لأن التنوين لا يحذف لغير علة وأيضا فإنما يدخل التنوين في النكرة ، ولا يقال في النكرة يا أبة ، وفي الفتح قول رابع كأنه أحسنها : يكون الأصل الكسر ثم أبدل من الكسرة فتحة كما تبدل من الياء ألف فيقال في يا غلامي أقبل : يا غلاما أقبل ، وزعم أبو إسحاق أنه لا يجوز يا أبة بالضم. قال أبو جعفر : ذلك عندي لا يمتنع كما أجاز سيبويه الفتح تشبيها بهاء التأنيث كما يجوز الضمّ تشبيها بها أيضا. (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً) ليس بين النحويين اختلاف لأنه يقال : جاءني أحد عشر ومررت بأحد عشر ، وكذلك ثلاثة عشر وتسعة عشر وما بينهما ، فذهب الفراء أنهم لما ضموا أحد الاسمين إلى الآخر كرهوا أن يعربوا الأول فيخرج عن باب العدد وكرهوا أن يعربوا الثاني فيشبه بعلبكّ فحركوهما حركة واحدة كما كانا قبل البناء ، وقال الكسائي : النصب مغيض النحو كلما صرف شيء عن جهته نصب وقال البصريون : النصب أخفّ الحركات فلمّا ضمّ أحد الاسمين إلى الآخر حرّكا بأخفّ الحركات ، وقال بعضهم : لمّا حذفت الواو وكانت مفتوحة حرّكوا الاسمين بحركتها ولا اختلاف بين البصريين أن تعريف هذا بإدخال الألف واللام في أوله فتقول : مضى الأحد عشر رجلا لا غير ، وأجاز الكسائي والفراء : مضى الأحد العشر. قال الفراء (٢) : لتوهمهم انفصال أحدهما من الآخر ، وأجاز إدخال الألف واللام في المميز. وذا محال عند البصريين ، لأن المميز واحد يدلّ على جمع فإذا كان معروفا لم يكن فيه هذا المعنى. قال الفراء : فإن أضفت إلى نفسك أعربت الأول فقلت : هذه خمسة عشري ، ومررت بخمسة عشري. قال لما لم يجز أن تضيفه إلى الأول لأن بينهما عشرا أعربت الأول ، ولا يجوز المميّز هاهنا لاختلاف إعرابيهما. قال أبو جعفر : هذا يبطل كلّ ما مرّ ، وسمعت محمد بن الوليد يقول : سمعت أبا العباس يقول : ربّما قرأ عليّ إسماعيل بن إسحاق الشّيء من كلام الفراء فاستحسنه فلا ينتهي إلى آخره حتّى يفسده. قال سيبويه (٣) : واعلم أن العرب تجعل خمسة عشر وما أشبهها في الألف واللام والإضافة على حال ، والعلّة عند أصحابه في هذا إن الجهة التي بنيت من أجلها موجودة مع الألف واللام والإضافة ، وقد حكى سيبويه : هذه خمسة عشرك برفع الثاني ، وزعم الفراء أنه يقال : ما رأيت خمسة عشر قطّ خيرا منها بخفض عشر وتنوينها. قال : ولا
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٢.
(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٣٣.
(٣) انظر الكتاب ٣ / ٣٣١.