على يأتيهم أو مستأنف. وقد أشكل هذا على بعض النحويين حتّى قال : لا ينصب جواب الأمر بالفاء ، وهذا خلاف ما قال الخليل رحمهالله وسيبويه ، وقد أنشد النحويون : [الرجز]
٢٥٣ ـ يا ناق سيري عنقا فسيحا |
|
إلى سليمان فنستريحا (١) |
وإنّما امتنع النصب في الآية لأن المعنى ليس عليه (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) أي من زوال عمّا أنتم عليه من الأمهال إلى الانتقام والمجازاة.
(وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) (٤٦)
(وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) «إن» بمعنى «ما» وهذا يروى عن الحسن كذا ، وأنّ مثله (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) [يونس : ٩٤] ، وكذا (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) [الزخرف : ٨١] وقد قيل في هاتين الآيتين غير ما قال وذلك في مواضعهما ، وقرأ مجاهد وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال (٢) بفتح اللام ورفع الفعل ، وبه قرأ الكسائي ، وكان محمد بن يزيد فيما حكي عنه يختار فيه قول قتادة. قال : هذا لكفرهم مثل قوله جلّ وعزّ : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) [مريم : ٩٠]. قال أبو جعفر : وكان أبو إسحاق يذهب إلى أن هذا جاء على كلام العرب لأنهم يقولون : لو أنك بلغت كذا ما وصلت إلى شيء وإن كان لا تبلغه وكذا في «إن» ، وأنشد سيبويه : [الطويل]
٢٥٤ ـ لئن كنت في جبّ ثمانين قامة |
|
ورقّيت أسباب السّماء بسلّم (٣) |
وروي عن عمر وعلي وعبد الله رضي الله عنهم أنهم قرءوا وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال (٤) ، بالدال ورفع الفعل. والمعنى في هذا بين وإنما هو تفسير وليس بقراءة.
(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ) (٤٧)
(فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) مجاز كما يقال : معطي درهم زيدا ، وأنشد سيبويه : [الطويل]
٢٥٥ ـ ترى الثّور فيها مدخل الظّلّ رأسه |
|
وسائره باد إلى الشّمس أجمع (٥) |
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٢٠٢).
(٢) انظر معاني الفراء ٢ / ٧٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٢٦ ، ورويت هذه القراءة عن الإمام علي.
(٣) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ١٧٣ ، وشرح المفصّل ٢ / ٧٤ ، ولسان العرب (سبب) و (ثمن) و (رقا).
(٤) انظر مختصر ابن خالويه ٦٩ ، والبحر المحيط ٥ / ٤٢٥ ، وهي قراءة علي وعمر وعبد الله وأبي سلمة بن عبد الرحمن وأبيّ وأبي إسحاق السبيعي وزيد بن علي.
(٥) الشاهد بلا نسبة في الكتاب ١ / ٢٤٠ ، وأمالي المرتضى ١ / ٢١٦ ، وخزانة الأدب ٤ / ٢٣٥ ، والدرر ٦ / ٣٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٣.