(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢) وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١٣)
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ) مفعولان وكلّ واحد منهما يأتي في إثر صاحبه وينصرف عند مجيئه فهما آيتان دالتان على مدبر لهما. (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ) أي لم نجعل لها ضياء ونورا كنور النهار ، والشيء الممحو هو الذي لا يتبيّن. (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) وهي الشّمس وضوؤها (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) وفي الكلام حذف أي ولتسكنوا في الليل (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) أي جعلنا بين الآية والآية فصلا لتستدلّوا بدلائل الله جلّ وعزّ ونصب (كل شيء) بإضمار فعل ، وكذا (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) من نعت كتاب ، وإن شئت على الحال ، وقد ذكرنا الآية وما فيها من القراءات.
(اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (١٤)
(اقْرَأْ كِتابَكَ) علامة الجزم والبناء حذف الضمّة من الهمزة ، وحكي عن العرب : أقر يا هذا ، على إبدال الهمزة ، ومنه وقول زهير : [الطويل]
٢٦٧ ـ وإلّا يبد بالظّلم يظلم (١)
(كَفى بِنَفْسِكَ) في موضع رفع والباء زائدة للتوكيد. (حَسِيباً) على البيان ، وإن شئت على الحال. قال أبو إسحاق : ويجوز في غير القرآن حسيبة.
(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٥)
(مَنِ اهْتَدى) شرط ، والجواب (فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) وكذا (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي عمله له ، ويدلّ على هذا (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وفي معناه قولان : أحدهما لا يؤخذ أحد بذنب أحد ، والآخر أنّ المعنى لا ينبغي لأحد أن يقتدي بأحد ويقلّده في الشر ، كما قال جلّ وعزّ (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٢] ويقال وزر يزر والأصل يوزر حذفت الواو عند البصريين لوقوعها بين ياء وكسرة ، والمصدر وزر ووزر ووزرة (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فيه قولان : أحدهما أن المعنى وما كنا معذّبين العذاب الذي يكون عقوبة على مخالفة الشيء الذي لا يعرف إلا بالإخبار حتى نبعث رسولا ، والآخر أنه عذاب الاستئصال.
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (١٦).