قال فإذا وضعت مفعلة مكان فاعل كفت من الجمع والتأنيث. قال أبو إسحاق : من قرأ مبصرة فالمعنى مبيّنة (فَظَلَمُوا بِها) التقدير فظلموا بعقرها وكفرهم بخالقها. (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) قيل يعني به الآيات التي تتلى.
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً) (٦٠)
(وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ) قال أبو جعفر : قد ذكرناه وقد قيل : إنّ ربك أحاط بالناس علما ومعرفة وتدبيرا فلهذا لم يعطهم الآيات التي اقترحوها لعلمه جلّ وعزّ بهم. (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) مفعولان أي محنة امتحنوا بها وتكليفا وقد تكلّم العلماء في هذه الرؤيا فمن أحسن ما قيل فيها وصحيحه أنها الرؤيا التي رآها محلّقين رؤوسهم ومقصّرين ، فلما ردّ النبيصلىاللهعليهوسلم عام الحديبيّة عن البيت فافتتن جماعة من الناس حتى قال عمر رضي الله عنه للنبي صلىاللهعليهوسلم : ألم تعدنا أنّا ندخل المسجد الحرام فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم : أقلت لكم في هذا العام؟ قال : لا ، قال : فإنكم ستدخلونه ، فدخلوه في العام المقبل كما قال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم. ومن أحسن ما قيل فيها أيضا ما رواه سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله جلّ وعزّ : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) قال : هي رؤيا عين رآها النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة أسري به لا رؤيا نوم. قال (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) شجرة الزقوم. قال الفراء (١) : ويجوز (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) بالرفع يجعله نسقا على المضمر الذي في فتنة قال كما تقول : جعلتك عاملا وزيدا وزيد. (وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) قال السّدّي : الطغيان المعصية ، وقال مجاهد : هذا في أبي جهل.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (٦١)
(قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ) التقدير لمن خلقته وحذفت الهاء لطول الاسم. قال أبو إسحاق: (طِيناً) منصوب على الحال ، والمعنى : أأسجد لمن أنشأته في حال كونه طينا.
(قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً) (٦٢)
(قالَ أَرَأَيْتَكَ) (٢) الكاف لا موضع لها من الإعراب وإنما هي لتوكيد المخاطبة ، وحكى سيبويه : أريتك زيدا أبو من هو ، وقد ذكرنا هذا باختلاف النحويين في سورة
__________________
(١) انظر معاني الفراء ٢ / ١٢٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٤.