والكفر ومكابرتهم ما جاء من عند الله جلّ وعزّ ، وقال غيره : ذلك مبلغهم من العلم أنّهم اثروا ما يفنى من زينة الدنيا ورئاستها على ما يبقى من ثواب الآخرة (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) يكون أعلم بمعنى عالم ويجوز أن يكون على بابه بالحذف وسبيل الإسلام. (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) أي إلى طريق الحق وهو الإسلام وذلك في سابق علمه.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) (٣١)
تكون لام كي متعلقة بالمعنى أي ولله ما في السّموات وما في الأرض من شيء يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء. (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا) أي كفروا وعصوا (بِما عَمِلُوا) ، ويجوز أن يكون اللام متعلّقة بقوله جلّ وعزّ : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً). (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسئوُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) عطف. قيل : الحسنى الجنة. وقال زيد بن أسلم. (الَّذِينَ أَساؤُا) الكفار و (الَّذِينَ أَحْسَنُوا) المؤمنون.
(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٣٢)
(الَّذِينَ) بدل من الذين قبله (يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ) (١) (الْإِثْمِ) قال أبو جعفر : قد ذكرناه في سورة «حم عسق». (وَالْفَواحِشَ) عطف على الكبائر (إِلَّا اللَّمَمَ) قد ذكرنا ما فيه من قول أهل التفسير. وهو منصوب على أنه استثناء ليس من الأول. ومن أصحّ ما قيل فيه وأجمعه لأقوال العلماء أنّه الصغائر ويكون مأخوذا من لممت بالشيء إذا قلّلت نيله. (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) أي لأصحاب الصغائر ، ونظيره (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) [النساء : ٣١] (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) أي هو أعلم بما تعملون وما أنتم صائرون إليه حين ابتدأ خلق أبيكم من تراب ، وحين أنتم أجنة في بطون أمهاتكم منكم لما أن كبرتم ، ويجوز أن يكون اعلم بمعنى عالم (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) قال زيد بن أسلم : أي لا تبرئوها من المعاصي. قال : وشرح هذا لا تقولوا إنّا أزكياء. (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) المعاصي وخاف وأدى الفرائض.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) (٣٣)
أي عن الإيمان. قال ابن زيد : نزلت في رجل أسلم فلقيه صاحبه فغيره وقال له :
__________________
(١) انظر تيسير الداني ١٥٨ (حمزة والكسائي بكسر الباء من غير ألف ولا همزة ، والباقون بفتح الباء وبألف وهمزة بعدها).