تقديم وتأخير ، تقديره : وأنزل التوراة ، والإنجيل ، والفرقان ، فيه هدى للناس.
(مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٤))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) قال ابن عباس : يريد وفد نجران النّصارى ، كفروا بالقرآن ، وبمحمّد. والانتقام : المبالغة في العقوبة.
(إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٦))
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، قال أبو سليمان الدّمشقيّ : هذا تعريض بنصارى أهل نجران فيما كانوا ينطوون عليه من كيد النبيّ عليهالسلام. وذكر التصوير في الأرحام تنبيه على أمر عيسى.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٧))
قوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) المحكم : المتقن المبيّن. وفي المراد به هاهنا ثمانية أقوال (١) : أحدها : أنه النّاسخ ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة ، السّدّيّ في آخرين. والثاني : أنه الحلال والحرام ، روي عن ابن عباس ومجاهد. والثالث : أنه ما علم العلماء تأويله ، روي عن جابر بن عبد الله. والرابع : أنه الذي لم ينسخ ، قاله الضّحّاك. والخامس : أنه ما لم تتكرر ألفاظه ، قاله ابن زيد. والسادس : أنه ما استقلّ بنفسه ، ولم يحتج إلى بيان ، ذكره القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد. وقال الشّافعيّ ، وابن الأنباريّ : هو ما لم يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا. والسابع : أنه جميع القرآن غير الحروف المقطّعة. والثامن : أنه الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، والحلال والحرام ، ذكر هذا والذي قبله القاضي أبو يعلى بن الفرّاء.
وأمّ الكتاب أصله. قاله ابن عباس ، وابن جبير ، فكأنه قال : هنّ أصل الكتاب اللواتي يعمل عليهنّ في الأحكام ، ومجمع الحلال والحرام.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله ١ / ٣٤٥ : وأحسن ما قيل فيه الذي نص عليه محمد بن إسحاق بن يسار رحمهالله حيث قال : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه. قال : والمتشابهات في الصدق لهن تصريف وتحريف وتأويل ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق.
ـ وقال الشوكاني رحمهالله في «فتح القدير» ١ / ٣٦٠ بعد أن ذكر الأقوال المتقدمة : والأولى أن يقال : إن المحكم هو الواضح المعنى ، الظاهر الدلالة ؛ إما باعتبار نفسه أو باعتبار غيره.
ـ والمتشابه : ما لا يتضح معناه ، أو لا تظهر دلالته ، لا باعتبار نفسه ولا باعتبار غيره.
ـ وانظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ٤ / ١٣ ـ ١٤ بتخريجنا ـ طبع «دار الكتاب العربي».