وقد روى طاوس عن ابن عباس أنه قرأ «ويقول الرّاسخون في العلم آمنّا به» وإلى هذا المعنى ذهب ابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، وابن عباس ، وعروة ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، والفرّاء ، وأبو عبيدة ، وثعلب ، وابن الأنباريّ ، والجمهور. قال ابن الأنباريّ : في قراءة عبد الله «إن تأويله ، إلّا عند الله» وفي قراءة أبيّ ، وابن عباس «ويقول الرّاسخون» وقد أنزل الله تعالى في كتابه أشياء ، استأثر بعلمها ، وقوله تعالى : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) (١) فأنزل تعالى المجمل ، ليؤمن به المؤمن ، فيسعد ، ويكفر به الكافر ، فيشقى. والثاني : أنهم يعلمون ، فهم داخلون في الاستثناء. وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال : أنا ممّن يعلم تأويله ، وهذا قول مجاهد ، والرّبيع ، واختاره ابن قتيبة ، وأبو سليمان الدّمشقيّ. قال ابن الأنباريّ : الذي روى هذا القول عن مجاهد ابن أبي نجيح ، ولا تصح روايته التفسير عن مجاهد.
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩))
قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) أي يقولون : ربنا لا تمل قلوبنا عن الهدى بعد إذ هديتنا. قال أبو عبد الرحمن السّلميّ ، وابن يعمر ، والجحدريّ «لا تزغ» بفتح التاء «قلوبنا» برفع الباء. ولدنك : بمعنى عندك. والوهّاب : الذي يجود بالعطاء من غير استثابة ، والمخلوقون لا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم ، ولا ولدا لعقيم ، والله تعالى قادر على أن يهب جميع الأشياء.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠))
قوله تعالى : (لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ) أي : لن تدفع ، لأن المال يدفع عن صاحبه في الدنيا ، وكذلك الأولاد ، فأما في الآخرة ، فلا ينفع الكافر ماله ، ولا ولده. وقوله تعالى : (مِنَ اللهِ) أي : من عذابه
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١))
قوله تعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، في الدّأب قولان : أحدهما : أنه العادة ، فمعناه : كعادة آل
__________________
تأويل لاحد فيها إلاّ تأويل واحد فاتسق بقولهم الكتاب وصدقه بعضه بعضاً فنفذت الحجة وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر ، وفي الحديث أن رسول صلى الله عليه واله وسلم دعا لابن عباس فقال : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». ومن العلماء من فصل في هذا المفام وقال : التأويل يطلق ويراد به في القرآن معنياً أحدهما التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمرء إليه ومنه قوله تعالى : (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قبل) وقوله : (هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ) أي حقيقة ماأخبروا ما أخبروا به من أمر المعاد ، فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة لأن حقائق الأمور وكهها لا يعلمه على الجلية إلاّ الله عزّوجّل ويكون قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مبتدأ (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) خبره ، وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله : (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ) أي بتفسيره فإن أريد به هذا المعنى فالوقف على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) لأنهم يعلمون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار وإن لم يحيطوا علماً بحقائق الاشياء على كنه ما هي عليه ، وعلى هذا فيكون قوله (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) حالاً منهم.
(١) الفرقان : ٣٨.