فرعون ، يريد : كفر اليهود. ككفر من قبلهم ، قاله ابن قتيبة. وقال ابن الأنباريّ : و «الكاف» في «كدأب» متعلقة بفعل مضمر ، كأنه قال : كفرت اليهود ككفر آل فرعون. والثاني : أنه الاجتهاد ، فمعناه : أن دأب هؤلاء وهو اجتهادهم في كفرهم ، وتظاهرهم على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليهالسلام ، قاله الزّجّاج.
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢))
قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ) قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ) بالتاء و (يَرَوْنَهُمْ) بالياء ، وقرأ نافع ثلاثتهنّ بالتاء! وقرأهنّ حمزة ، والكسائيّ بالياء. وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(١٥٤) أحدها : أن يهود المدينة لما رأوا وقعة بدر ، همّوا بالإسلام ، وقالوا : هذا هو النبيّ الذي نجده في كتابنا ، لا تردّ له راية ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا حتى تنظروا له وقعة أخرى ، فلما كانت أحد ، شكّوا ، وقالوا : ما هو به ، ونقضوا عهدا كان بينهم وبين النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة ، فقالوا : تكون كلمتنا واحدة ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس.
(١٥٥) والثاني : أنها نزلت في قريش قبل وقعة بدر ، فحقّق الله وعده يوم بدر ، روي عن ابن عباس ، والضّحّاك.
(١٥٦) والثالث : أن أبا سفيان في جماعة ن قريش ، جمعوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد وقعة بدر ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن السّائب.
(قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣))
قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) في المخاطبين بهذا ثلاثة أقوال (١) : أحدها :
____________________________________
(١٥٤) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٩١ قال الكلبي قال أبو صالح قال ابن عباس. وهذا الإسناد ساقط ، الكلبي متروك متهم ، وأبو صالح متروك في روايته عن ابن عباس. وورد من وجه آخر ، أخرجه الطبري ٦٦٦٣ وفيه محمد بن أبي محمد ، وهو مجهول. وورد من مرسل قتادة ، أخرجه الطبري ٦٦٦٤ ، وورد من مرسل عكرمة ، أخرجه الطبري ٦٦٦٧. فهذه الروايات تتأيد بمجموعها.
(١٥٥) ذكره الماوردي في «تفسيره» عن ابن عباس والضحاك بدون إسناد. فهذا الخبر لا شيء لخلوه عن الإسناد.
ـ والقول المتقدم هو الصواب ، فإن الآية الآتية تدل على أن ذلك كان بعد بدر.
(١٥٦) لا أصل له. عزاه المصنف لابن السائب ، وهو الكلبي واسمه محمد ، وهو متروك متهم بالكذب ، فهذا الأثر لا شيء. والقول الأول هو الصواب ، والله أعلم.
__________________
(١) قال ابن كثير رحمهالله ١ / ٣٥٠ : يقول الله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) أي قد كان لكم أيها اليهود القائلون ما قلتم آية أي دلالة على أن الله معزّ دينه ، وناصر رسوله ، ومظهر كلمته ، ومعدل أمره.