(تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٢٧))
قوله تعالى : (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أي : تدخل ما نقّصت من هذا في هذا. قال ابن عباس ، ومجاهد : ما ينقص من أحدهما يدخل في الآخر. قال الزّجّاج : يقال : ولج الشيء يلج ولوجا وولجا وولجة. قوله تعالى : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم «وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ» ، و «لبلد ميت» (١) ، و (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً) (٢) ، و (وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً) (٣) ، و (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) (٤) : كله بالتخفيف. وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائيّ : (وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) و (لِبَلَدٍ مَيِّتٍ) و (إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ) (٥) ، وخفّف حمزة ، والكسائيّ غير هذه الحروف. وقرأ نافع : «أو من كان ميّتا» ، و «الأرض الميّتة» ، و «لحم أخيه ميّتا» (٦) ، وخفف في سائر القرآن ما لم يمت. وقال أبو على : الأصل التثقيل ، والمخفف محذوف منه ، وما مات ، وما لم يمت في هذا الباب مستويان في الاستعمال. وأنشدوا :
ومنهل فيه الغراب ميت |
|
سقيت منه القوم واستقيت |
فهذا قد مات. وقال آخر : (٧)
ليس من مات ، فاستراح بميت |
|
إنّما الميت ميّت الأحياء |
فخفف ما مات ، وشدد ما لم يمت. وكذلك قوله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) (٨). ثم في معنى الآية ثلاثة أقوال : أحدها : أنه إخراج الإنسان حيّا من النّطفة ، وهي ميتة. وإخراج النّطفة من الإنسان ، وكذلك إخراج الفرخ من البيضة من الطائر ، هذا قول ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، وابن جبير ، والجمهور. والثاني : أنه إخراج المؤمن الحي بالإيمان من الكافر الميت بالكفر ، وإخراج الكافر الميت بالكفر من المؤمن الحي بالإيمان ، روى نحو هذا الضّحّاك عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، وعطاء. والثالث : أنه إخراج السّنبلة الحيّة من الحبّة الميّتة ، والنّخلة الحيّة من النّواة الميّتة ، والنواة الميّتة من النّخلة الحيّة ، قاله السّدّيّ. وقال الزّجّاج : يخرج النبات الغضّ من الحبّ اليابس ، والحبّ اليابس من النبات الحيّ النّامي.
قوله تعالى : (بِغَيْرِ حِسابٍ) أي : بغير تقتير. قال الزّجّاج : يقال للذي ينفق موسعا : فلان ينفق بغير حساب ، كأنه لا يحسب ما أنفقه إنفاقا.
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨))
قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ) ، في سبب نزولها أربعة أقوال :
__________________
(١) الأعراف : ٥٧.
(٢) الأنعام : ١٢٢.
(٣) الأنعام : ١٣٩.
(٤) يس : ٣٣.
(٥) فاطر : ٩.
(٦) الحجرات : ١٢.
(٧) هو عدي بن الرّعلاء. كما في «اللسان».
(٨) الزمر : ٣٠.