والأبرص : الذي به وضح. وكان الغالب على زمان عيسى عليهالسلام ، علم الطّب ، فأراهم المعجزة من جنس ذلك ، إلا أنه ليس في الطب إبراء الأكمه والأبرص ، وكان ذلك دليلا على صدقه. قال وهب : ربما اجتمع على عيسى من المرضى في اليوم الواحد خمسون ألفا ، وإنما كان يداويهم بالدّعاء. وذكر المفسرون أنه أحيا أربعة أنفس من الموتى. وعن ابن عباس : أن الأربعة كلّهم بقي حتى ولد له ، إلا سام بن نوح.
قوله تعالى : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ) قال سعيد بن جبير : كان عيسى إذا كان في المكتب يخبرهم بما يأكلون ، ويقول للغلام : يا غلام إن أهلك قد هيّئوا لك كذا وكذا من الطعام فتطعمني منه؟ وقال مجاهد : بما أكلتم البارحة ، وبما خبّأتم منه. وعلى هذا المفسرون ، إلا أن قتادة كان يقول : وأنبّئكم بما تأكلون من المائدة التي تنزل عليكم ، وما تدّخرون منها ، وكان أخذ عليهم أن يأكلوا منها ، ولا يدّخروا ، فلما خانوا ، مسخوا خنازير.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١))
قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) قال الزجّاج : نصب «مصدقا» على الحال ، أي : وجئتكم مصدّقا (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) قال قتادة : كان قد حرّم عليهم موسى الإبل والثّروب (١) وأشياء من الطّير ، فأحلّها عيسى. قوله تعالى : (وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ) أي : بآيات تعلمون بها صدقي ؛ وإنما وحّد ، لأنّ الكلّ من جنس واحد (مِنْ رَبِّكُمْ) أي : من عند ربّكم.
(فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢))
قوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى) أي : علم. قال شيخنا أبو منصور اللغويّ : يقال : أحسست بالشيء ، وحسست به ، وقول الناس في المعلومات «محسوسات» خطأ ، إنما الصواب «المحسّات» فأما المحسوسات ، فهي المقتولات ، يقال : حسّه : إذا قتله. والأنصار : الأعوان. و «إلى» بمعنى «مع» في قول الجماعة ، قال الزجّاج : وإنما حسنت في موضع «مع» لأنّ «إلى» غاية و «مع» تضمّ الشيء بالشيء. قال ابن الأنباريّ : ويجوز أن يكون المعنى : من أنصاري إلى أن أبيّن أمر الله. واختلفوا في سبب استنصاره بالحواريّين ، فقال مجاهد : لما كفر به قومه ، وأرادوا قتله ، استنصر الحواريّين. وقال غيره : لما كفر به قومه ، وأخرجوه من قريتهم ، استنصر الحواريّين. وقيل : استنصرهم ، لإقامة الحق ، وإظهار الحجّة. والجمهور على تشديد «ياء» الحواريّين. وقرأ الجونيّ ، والجحدريّ ، وأبو حياة : الحواريون بتخفيف الياء.
وفي معنى الحواريّين أقوال : أحدها : أنهم الخواصّ الأصفياء ، قال ابن عباس : الحواريّون : أصفياء عيسى. وقال الفرّاء : كانوا خاصّة عيسى. وقال الزجّاج : الحواريّون في اللغة : الذين أخلصوا ،
__________________
(١) في «اللسان» : الثّرب : شحم رقيق يغشى الكرش والأمعاء ، وجمعه ثروب.