ونقوا من كل عيب ، وكذلك الدّقيق : الحوّاريّ ، إنما سمّي بذلك ، لأنه ينقى من لباب البرّ وخالصه. قال حذّاق اللغويين : الحواريّون : صفوة الأنبياء الذين خلصوا وأخلصوا في تصديقهم ونصرتهم. ويقال : عين حوراء : إذا اشتدّ بياضها ، وخلص ، واشتدّ سوادها ، ولا يقال : امرأة حوراء ، إلا أن تكون مع حور عينها بيضاء. والثاني : أنهم البيض الثياب ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنهم سمّوا بذلك ، لبياض ثيابهم. والثالث : أنهم القصّارون ، سمّوا بذلك ، لأنهم كانوا يحوّرون الثياب ، أي : يبيّضونها. قال الضّحّاك ، ومقاتل : الحواريّون : هم القصّارون. قال اليزيديّ : ويقال للقصّارين : الحواريّون ، لأنهم يبيّضون الثياب ، ومنه سمّي الدقيق : الحوّاريّ ، والعين الحوراء : النّقيّة المحاجر. والرابع : الحواريّون : المجاهدون. وأنشدوا :
ونحن أناس يملأ البيض هامنا |
|
ونحن حواريّون حين نزاحف |
جماجمنا يوم اللقاء تراسنا |
|
إلى الموت نمشي ليس فينا تحانف (١) |
والخامس : الحواريّون : الصّيّادون. والسادس : الحواريّون : الملوك (٢) ، حكى هذه الأقوال الثلاثة ابن الأنباريّ. قال ابن عباس : عدد الحواريّين اثنا عشر رجلا. وفي صناعتهم قولان : أحدهما : أنهم كانوا يصطادون السمك رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني : أنهم كانوا يغسلون الثياب ، قاله الضّحّاك ، وأبو أرطأة.
(رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣))
قوله تعالى : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) هذا قول الحواريّين. والذي أنزل : الإنجيل. والرّسول : عيسى. وفي المراد بالشّاهدين خمسة أقوال : أحدها : أنهم محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وأمّته ، لأنهم يشهدون للرسل بالتبليغ ، رواه عكرمة عن ابن عباس (٣). والثاني : أنهم من آمن قبلهم من المؤمنين ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : أنهم الأنبياء ، لأن كلّ نبيّ شاهد أمّته ، قاله عطاء. والرابع : أن الشّاهدين : الصّادقون ، قاله مقاتل. والخامس : أنهم الذين شهدوا للأنبياء بالتّصديق. فمعنى الآية : واعترفنا فاكتبنا مع من فعل فعلنا ، هذا قول الزجّاج.
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤))
قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) قال الزجّاج : المكر من الخلق : خبث وخداع ، ومن الله عزوجل : المجازاة ، فسمّي باسم ذلك ، لأنه مجازاة عليه ، كقوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (٤) ، (وَاللهُ
__________________
(١) في «اللسان» : الحنف : الاعوجاج في الرّجل.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله ١ / ٣٦٥ : والصحيح أن الحواري الناصر كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما ندب الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير رضي الله عنه فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لكل نبي حواريّ وحواري الزبير».
(٣) قال ابن كثير رحمهالله ١ / ٣٦٥ : قوله (فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) مع أمة محمد صلىاللهعليهوسلم أخرجه ابن أبي حاتم عن عكرمة عن ابن عباس. وهذا إسناد جيد اه.
ـ قلت : ولعل الراجح قول الزجاج وهو الأخير ، فإنه عامّ شامل.
(٤) البقرة : ١٥.