بيوتنا ما قتلنا هاهنا». والثاني : أنه إسرارهم الكفر ، والشّكّ في أمر الله. والثالث : النّدم على حضورهم مع المسلمين بأحد.
قال أبو سليمان الدّمشقيّ : والذي قال : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) عبد الله بن أبيّ. والذي قال : (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معتب بن قشير.
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ) أي : لو تخلّفتم ، لخرج منكم من كتب عليه القتل ، ولم ينجه القعود. والمضاجع : المصارع بالقتل.
قال الزجّاج : ومعنى (لَبَرَزَ) : صاروا إلى براز ، وهو المكان المنكشف. ومعنى (وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) أي : ليختبره بأعمالكم ، لأنه قد علمه غيبا ، فيعلمه شهادة.
قوله تعالى : (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) قال قتادة : أراد ليظهرها من الشّكّ والارتياب ، بما يريكم من عجائب صنعه من الأمنة ، وإظهار سرائر المنافقين. وهذا التّمحيص خاصّ للمؤمنين. وقال غيره : أراد بالتّمحيص : إبانة ما في القلوب من الاعتقاد لله ، ولرسوله ، وللمؤمنين ، فهو خطاب للمنافقين. قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي : بما فيها. وقال ابن الأنباريّ : معناه : عليم بحقيقة ما في الصدور من المضمرات ، فتأنيث ذات بمعنى الحقيقة ، كما تقول العرب : لقيته ذات يوم. فيؤنّثون لأنّ مقصدهم : لقيته مرة في يوم.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) الخطاب للمؤمنين ، وتولّيهم : فرارهم من العدوّ. والجمعان : جمع المؤمنين ، وجمع المشركين ، وذلك يوم أحد. واستزلّهم : طلب زللهم ، قال ابن قتيبة : هو كما تقول : استعجلت فلانا ، أي : طلبت عجلته ، واستعملته : طلبت عمله. والذي كسبوا : يريد به الذّنوب. وفي سبب فرارهم يومئذ قولان : أحدهما : أنهم سمعوا أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قد قتل ، فترخّصوا في الفرار (١) ، قاله ابن عباس في آخرين. والثاني : أن الشّيطان أذكرهم خطاياهم ، فكرهوا لقاء الله إلّا على حال يرضونها ، قاله الزجّاج.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) أي كالمنافقين الذين قالوا لإخوانهم في النّفاق ، وقيل : إخوانهم في النّسب. قال الزجّاج : وإنما قال : (إِذا ضَرَبُوا) ولم يقل : إذ ضربوا ، لأنه يريد : شأنهم هذا أبدا ، تقول : فلان إذا حدّث صدق ، وإذا ضرب صبر. و «إذا» لما يستقبل ، إلا أنّه لم يحكم له بهذا المستقبل إلا لما قد خبر منه فيما مضى. قال المفسرون : ومعنى (ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ) :
__________________
(١) تقدم ، تخريجه ، وهو ضعيف جدا.