قال ابن قتيبة : ومعنى قوله : وإن خفتم ، أي : فإن علمتم أنّكم لا تعدلون بين اليتامى. يقال : أقسط الرّجل : إذا عدل ، ومنه قول النبي صلىاللهعليهوسلم :
(٢٥٧) المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة.
ويقال قسط الرجل : إذا جار ، ومنه قول الله (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً).
وفي معنى العدل في اليتامى قولان : أحدهما : في نكاح اليتامى. والثاني : في أموالهم.
قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) أي : ما حلّ لكم. قال ابن جرير : وأراد بقوله تعالى : ما طاب لكم ، الفعل دون أعيان النّساء ، ولذلك قال : «ما» ولم يقل : «من» واختلفوا : هل النّكاح من اليتامى ، أو من غيرهنّ؟ على قولين قد سبقا.
قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ). قال الزجّاج : هو بدل من «ما طاب لكم» ومعناه : اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا. وإنّما خاطب الله العرب بأفصح اللغات ، وليس من شأن البليغ أن يعبّر في العدد عن التّسعة باثنتين ، وثلاث ، وأربع ، لأنّ التسعة قد وضعت لهذا العدد ، فيكون عيّا في الكلام. وقال ابن الأنباريّ : هذه الواو معناها التّفرّق ، وليست جامعة ، فالمعنى : فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى ، وانكحوا ثلاث في غير الحال الأولى ، وانكحوا رباع في غير الحالين. وقال القاضي أبو يعلى : الواو هاهنا لإباحة أيّ الأعداد شاء ، لا للجمع ، وهذا العدد إنّما هو للأحرار ، لا للعبيد ، وهو قول أبي حنيفة والشّافعيّ. وقال مالك : هم كالأحرار. ويدلّ على قولنا : أنّه قال : فانكحوا ، فهذا منصرف إلى من يملك النّكاح ، والعبد لا يملك ذلك بنفسه ، وقال في سياقها (فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، والعبد لا ملك له ، فلا يباح له الجمع إلا بين اثنتين.
قوله تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ) فيه قولان : أحدهما : علمتم. والثاني : خشيتم.
قوله تعالى : (أَلَّا تَعْدِلُوا) قال القاضي أبو يعلى : أراد العدل في القسم بينهنّ.
قوله تعالى : (فَواحِدَةً) أي : فانكحوا واحدة ، وقرأ الحسن ، والأعمش ، وحميد : «فواحدة» بالرّفع ، المعنى ، فواحدة تقنع.
قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) يعني : السّراريّ. قال ابن قتيبة : معنى الآية : فكما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم ، فخافوا أيضا أن لا تعدلوا بين النّساء إذا نكحتموهنّ ، فقصرهم على أربع ، ليقدروا على العدل ، ثم قال : فإن خفتم أن لا تعدلوا بين هؤلاء الأربع ، فانكحوا واحدة ، واقتصروا على ملك اليمين.
قوله تعالى : (ذلِكَ أَدْنى) أي : أقرب. وفي معنى (تَعُولُوا) ثلاثة أقوال : أحدها : تميلوا ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، وإبراهيم ، وقتادة ، والسّدّيّ ، ومقاتل ، والفرّاء. وقال
____________________________________
(٢٥٧) صحيح. أخرجه مسلم ١٨٢٧ من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص.
__________________
الأموال. ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرجوا فيه ، فالواجب عليهم من اتقاء الله والتحرج في أمر النساء مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى.