أبو مالك ، وأبو عبيدة ، تجوروا. قال ابن قتيبة ، والزجّاج : تجوروا وتميلوا بمعنى واحد. واحتكم رجلان من العرب إلى رجل ، فحكم لأحدهما ، فقال المحكوم عليه : إنّك والله تعول عليّ ، أي تميل وتجور. والثاني : تضلّوا ، قاله مجاهد. والثالث : تكثر عيالكم ، قال ابن زيد ، ورواه أبو سليمان الدّمشقيّ في «تفسيره» عن الشّافعيّ ، وردّه الزجّاج ، فقال : أهل اللغة يقولون : هذا القول خطأ ، لأنّ الواحدة يعولها ، وإباحة ملك اليمين أزيد في العيال من أربع.
(وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤))
قوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين :
أحدهما : أنّهم الأزواج ، وهو قول الجمهور ، واحتجّوا بأن الخطاب للنّاكحين قد تقدّم ، وهذا معطوف عليه ، وقال مقاتل : كان الرجل يتزوّج بلا مهر ، فيقول : أرثك وترثيني ، فتقول المرأة : نعم ، فنزلت هذه الآية.
والثاني : أنه متوجّه إلى الأولياء ثم فيه قولان : أحدهما : أن الزّوج كان إذا زوج أيّمة حاز صداقها دونها ، فنهوا بهذه الآية ، هذا قول أبي صالح واختاره الفرّاء ، وابن قتيبة. والثاني : أنّ الرجل كان يعطي الرجل أخته ويأخذ أخته مكانها من غير مهر ، فنهوا عن هذا بهذه الآية ، رواه أبو سليمان التّيميّ عن بعض أشياخه.
قال ابن قتيبة : والصدقات : المهور ، واحدها : صدقة.
وفي قوله تعالى : (نِحْلَةً) أربعة أقوال : أحدها : أنها بمعنى الفريضة ، قاله ابن عباس وقتادة وابن جريج وابن زيد ومقاتل. والثاني : أنها الهبة والعطية ، قاله الفراء. قال ابن الأنباريّ : كانت العرب في الجاهلية لا تعطي النساء شيئا من مهورهنّ ، فلما فرض الله لهنّ المهر ، كان نحلة من الله ، أي : هبة للنساء ، فرضا على الرّجال. وقال الزجّاج : هو هبة من الله للنّساء. قال القاضي أبو يعلى : وقيل : إنما سمي المهر : نحلة ، لأن الزّوج لا يملك بدله شيئا ، لأن البضع بعد النّكاح في ملك المرأة ، ألا ترى أنّها لو وطئت بشبهة ، كان المهر لها دون الزّوج ، وإنما الذي يستحقّه الزوج الاستباحة ، لا الملك. والثالث : أنها العطيّة بطيب نفس ، فكأنه قال : لا تعطوهنّ مهورهنّ وأنتم كارهون ، قاله أبو عبيدة. والرابع : أنّ معنى «النّحلة» : الدّيانة ، فتقديره : وآتوهنّ صدقاتهنّ ديانة ، يقال : فلان ينتحل كذا ، أي : يدين به ، ذكره الزجّاج عن بعض العلماء.
قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ) يعني : النّساء المنكوحات. وفي (لَكُمْ) قولان : أحدهما : أنه يعني الأزواج. والثاني : الأولياء. و «الهاء» في (مِنْهُ) كناية عن الصّداق ، قال الزّجّاج : و (مِنْهُ) هاهنا للجنس ، كقوله تعالى : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ) معناه : فاجتنبوا الرّجس الذي هو وثن ، فكأنه قال : كلوا الشيء الذي هو مهر ، فيجوز أن يسأل الرجل المهر كلّه. و (نَفْساً) : منصوب على التمييز.
فالمعنى : فإن طابت أنفسهنّ لكم بذلك ، فكلوه هنيئا مريئا. وفي الهنيء ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ما تؤمن عاقبته. والثاني : ما أعقب نفعا وشفاء. والثالث : أنه الذي لا ينغّصه شيء. وأما «المريء» فيقال : مرئ الطّعام : إذا انهضم ، وحمدت عاقبته.