(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢))
قوله تعالى : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) في سبب نزولها قولان.
(٣٩٤) أحدهما : أن شريح بن ضبيعة أتى المدينة ، فدخل على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فقال : إلام تدعو؟ فقال : «إلى شهادة أن لا إله إلّا الله ، وأنّي رسول الله» ، فقال : إنّ لي أمراء خلفي أرجع إليهم أشاورهم ، ثم خرج ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبي غادر ، وما الرّجل بمسلم» ، فمرّ شريح بسرح لأهل المدينة ، فاستاقه ، فلمّا كان عام الحديبية ، خرج شريح إلى مكّة معتمرا ، ومعه تجارة ، فأراد أهل السّرح أن يغيروا عليه كما أغار عليهم ، فاستأذنوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال السّدّي : اسمه الحطم بن هند البكريّ. قال : ولمّا ساق السّرح جعل يرتجز :
قد لفّها الليل بسوّاق حطم |
|
ليس براعي إبل ولا غنم |
ولا بجزّار على ظهر وضم |
|
باتوا نياما وابن هند لم ينم |
بات يقاسيها غلام كالزّلم |
|
خدلّج السّاقين ممسوح القدم (١) |
(٣٩٥) والثاني : أنّ ناسا من المشركين جاءوا يؤمّون البيت يوم الفتح مهلّين بعمرة ، فقال المسلمون : لا ندع هؤلاء بل نغير عليهم ، فنزل قوله تعالى (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ).
قال ابن قتيبة : وشعائر الله : ما جعله الله علما لطاعته. وفي المراد بها هنا سبعة أقوال (٢) : أحدها : أنها مناسك الحجّ ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. وقال الفرّاء : كان عامّة العرب لا يرون الصّفا
____________________________________
(٣٩٤) أخرجه الطبري ١٠٩٦١ عن السدي ، وهذا مرسل ، وكرره ١٠٩٦٢ عن عكرمة وعن ابن جريج ونسبه الواحدي ٣٧٩ لابن عباس بدون سند ، فلعل هذه المراسيل المتقدمة تتأيد بمجموعها ، والله أعلم. انظر «أحكام القرآن» ٦١٠ بتخريجنا.
(٣٩٥) ضعيف. أخرجه الطبري ١٠٩٦٣ عن عبد الرحمن بن زيد مرسلا.
__________________
(١) الرجز في «الأغاني» ١٤ / ٤٤ و «حماسة أبي تمام» ١ / ٣٥٤ وقد اختلفوا في نسبة هذا الشعر اختلافا كثيرا ، ونسبه في : «الحماسة» لرشيد بن رميض العنزي ، ونسب أيضا للأغلب العجلي ، وللأخنس بن شهاب ، ولجابر بن حني التغلبي ولعل الحطم أنشده مدحا لنفسه فيما فعل وقبل هذا الرجز :
هذا أوان الشدّ فاشتدي زيم
والسّرح : المال السائم. وفي «اللسان» : الوضم : كل شيء يوضع عليه اللحم من خشب أو بارية يوقى به من الأرض. وقد ذكره في «اللسان» ونسبه إلى رشيد بن رميض العنزي. وقيل أبو زغبة الخزرجي. والزلم : القدح كان أهل الجاهلية يستقسمون بها. وخدلّج الساقين : عظيمهما.
(٢) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٩٣ : وأولى التأويلات بقوله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) ، قول عطاء : من توجيهه معنى ذلك إلى : لا تحلوا حرمات الله ولا تضيعوا فرائضه.