والمروة من الشّعائر ، ولا يطوفون بينهما ، فقال الله تعالى : لا تستحلّوا ترك ذلك. والثاني : أنها ما حرّم الله تعالى في حال الإحرام ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثالث : دين الله كلّه ، قاله الحسن. والرابع : حدود الله ، قاله عكرمة وعطاء. والخامس : حرم الله ، قاله السّدّي. والسادس : الهدايا المشعرة لبيت الله الحرام ، قاله أبو عبيدة والزجّاج. والسابع : أنها أعلام الحرم ، نهاهم أن يتجاوزوها غير محرمين إذا أرادوا دخول مكّة ، ذكره الماورديّ ، والقاضي أبو يعلى.
قوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) قال ابن عباس : لا تحلّوا القتال فيه. وفي المراد بالشّهر الحرام ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ذو القعدة ، قاله عكرمة ، وقتادة. والثاني : أن المراد به الأشهر الحرم. قال مقاتل : كان جنادة بن عوف يقوم في سوق عكاظ كلّ سنة فيقول : ألا إني قد أحللت كذا ، وحرّمت كذا. والثالث : أنه رجب ، ذكره ابن جرير الطّبريّ. والهدي : كلّ ما أهدي إلى بيت الله تعالى من شيء. وفي (الْقَلائِدَ) قولان : أحدهما : أنها المقلّدات من الهدي ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثاني : أنها ما كان المشركون يقلّدون به إبلهم وأنفسهم في الجاهليّة ، ليأمنوا به عدوّهم ، لأن الحرب كانت قائمة بين العرب إلّا في الأشهر الحرم ، فمن لقوه مقلّدا نفسه ، أو بعيره ، أو مشعرا بدنه أو سائقا هديا لم يتعرّض له. قال ابن عباس : كان من أراد أن يسافر في غير الأشهر الحرم ، قلّد بعيره من الشّعر والوبر ، فيأمن حيث ذهب.
(٣٩٦) وروى مالك بن مغول عن عطاء قال : كانوا يتقلّدون من لحاء شجر الحرم ، فيأمنون به إذا خرجوا من الحرم ، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة : كان الرجل في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحجّ تقلّد من السّمر ، فلم يعرض له أحد ، وإذا رجع تقلّد قلادة شعر ، فلم يعرض له أحد. وقال الفرّاء : كان أهل مكّة يقلّدون بلحاء الشّجر ، وسائر العرب يقلّدون بالوبر والشّعر. وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال (١) : أحدها : لا تستحلّوا المقلّدات من الهدي. والثاني : لا تستحلّوا أصحاب القلائد. والثالث : أن هذا نهي للمؤمنين أن ينزعوا شيئا من شجر الحرم ، فيتقلّدوه كما كان المشركون يفعلون في جاهليتهم ، رواه عبد الملك عن عطاء ، وبه قال مطرّف ، والرّبيع بن أنس.
قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) «الآمّ» : القاصد ، و «البيت الحرام» : الكعبة ، والفضل : الرّبح في التّجارة ، والرّضوان من الله يطلبونه في حجّهم على زعمهم. ومثله قوله تعالى : (وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي) (٢) ، وقيل : ابتغاء الفضل عامّ ، وابتغاء الرّضوان للمؤمنين خاصّة.
__________________
(٣٩٦) أخرجه الطبري ١٠٩٥٤ عن عطاء مرسلا ، وكرره ١٠٩٥٣ من مرسل قتادة.
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٩٦ : والذي هو أولى بتأويل قوله : (وَلَا الْقَلائِدَ) إذ كانت معطوفة على أول الكلام ولم يكن في الكلام ما يدل على انقطاعها عن أوله ، ولا أنه عنى بها النهي عن التقليد أو اتخاذ القلائد من شيء ، أن يكون معناه : ولا تحلّوا القلائد. ونهي من الله عزوجل عن استحلال حرمة المقلّد ، هديا كان ذلك أو إنسانا ، دون حرمة القلادة. وإن الله عز ذكره ، إنما دلّ بتحريمه حرمة القلادة على ما ذكرنا من حرمة المقلّد.
(٢) سورة طه : ٩٧.