قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) لفظه لفظ الأمر ، ومعناه الإباحة ، نظيره (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) (١) وهو يدلّ على إحرام متقدّم.
قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) وروى الوليد عن يعقوب «يجرمنكم» بسكون النون ، وتخفيفها. قال ابن عباس : لا يحملنّكم ، قال غيره : لا يدخلنّكم في الجرم ، كما تقول : آثمته ؛ أي : أدخلته في الإثم ، وقال ابن قتيبة : لا يكسبنّكم يقال : فلان جارم أهله ، أي : كاسبهم ، وكذلك جريمتهم. وقال الهذليّ : ووصف عقابا :
جريمة ناهض في رأس نيق |
|
ترى لعظام ما جمعت صليبا (٢) |
والنّاهض : فرخها ، يقول : هي تكسب له ، وتأتيه بقوته. و «الشّنآن» البغض ، يقال : شنئته أشنؤه : إذا أبغضته. وقال ابن الأنباريّ : «الشّنآن» : البغض ، و «الشّنآن» بتسكين النون : البغيض. واختلف القرّاء في نون الشّنآن ، فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائيّ : بتحريكها ، وأسكنها ابن عامر ، وروى حفص عن عاصم تحريكها ، وأبو بكر عنه تسكينها ، وكذلك اختلف عن نافع. قال أبو عليّ : «الشّنآن» ، قد جاء وصفا ، وقد جاء اسما ، فمن حرّك ، فلأنّه مصدر ، والمصدر يكثر على فعلان ، نحو النّزوان ، ومن سكّن. قال : هو مصدر ، وقد جاء المصدر على فعلان ، تقول : لويته دينه ليّانا ، فالمعنى في القراءتين واحد ، وإن اختلف اللفظان.
واختلفوا في قوله تعالى : (أَنْ صَدُّوكُمْ) فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو بالكسر ، وقرأ الباقون بالفتح ، فمن فتح جعل الصّدّ ماضيا ، فيكون المعنى من أجل أن صدّوكم ، ومن كسرها ، جعلها للشّرط ، فيكون الصّدّ مترقّبا. قال أبو الحسن الأخفش : وقد يكون الفعل ماضيا مع الكسر ، كقوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ) (٣) وقد كانت السّرقة عندهم قد وقعت ، وأنشد أبو عليّ الفارسيّ :
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة |
|
ولم تجدي من أن تقرّي بها بدّا |
فانتفاء الولادة أمر ماض وقد جعله جزاء ، والجزاء إنما يكون بالمستقبل فيكون المعنى إن ننتسب لا تجدني مولود لئيمة.
قال ابن جرير : وقراءة من فتح الألف أبين ، لأنّ هذه السّورة نزلت بعد الحديبية ، وقد كان الصدّ تقدّم. فعلى هذا في معنى الكلام قولان : أحدهما : ولا يحملنّكم بغض أهل مكّة أن صدّوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا فيه ، فتقاتلوهم ، وتأخذوا أموالهم إذا دخلتموه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : لا يحملنّكم بغض أهل مكّة ، وصدّهم إيّاكم أن تعتدوا بإتيان ما لا يحلّ لكم من الغارة على المعتمرين من المشركين ، على ما سبق في نزول الآية.
قوله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) قال الفرّاء : ليعن بعضكم بعضا. قال ابن عباس : البرّ ما
__________________
(١) سورة الجمعة : ١٠.
(٢) الصليب : الودك. وقد تقدم وقال ابن فارس : يقال جرم وأجرم ولا جرم بمنزلة قولك لا بد ولا محالة وأصلها من جرم أي اكتسب. انظر «تفسير القرطبي» ٦ / ٤٤.
(٣) سورة يوسف : ٧٧.