أمرت به ، و «التّقوى» : ترك ما نهيت عنه. فأمّا «الإثم» فالمعاصي. والعدوان : التّعدّي في حدود الله ، قاله عطاء.
فصل : اختلف علماء النّاسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين :
أحدهما : أنها محكمة ، روي عن الحسن أنه قال : ما نسخ من المائدة شيء ، وكذلك قال أبو ميسرة في آخرين قالوا : ولا يجوز استحلال الشّعائر ، ولا الهدي قبل أوان ذبحه ، واختلفوا في «القلائد» فقال قوم : يحرم رفع القلادة عن الهدي حتى ينحر ، وقال آخرون : كانت الجاهلية تقلّد من شجر الحرم ، فقيل لهم : لا تستحلّوا أخذ القلائد من الحرم ، ولا تصدّوا القاصدين إلى البيت.
والثاني : أنها منسوخة ، وفي المنسوخ منها أربعة أقوال : أحدها : أنّ جميعها منسوخ ، وهو قول الشّعبيّ. والثاني : أنها وردت في حقّ المشركين كانوا يقلّدون هداياهم ، ويظهرون شعائر الحجّ من الإحرام والتّلبية ، فنهي المسلمون بهذه الآية عن التّعرّض لهم ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١) وهذا قول الأكثرين. والثالث : أن الذي نسخ قوله تعالى : (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) نسخه قوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (٢) روي عن ابن عباس ، وقتادة. والرابع : أن المنسوخ منها : تحريم الشّهر الحرام ، وآمّون البيت الحرام : إذا كانوا مشركين ، وهدي المشركين. إذا لم يكن لهم من المسلمين أمان ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ.
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣))
قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) مفسّر في «البقرة» ، فأمّا (وَالْمُنْخَنِقَةُ) فقال ابن عباس : هي التي تختنق فتموت ، وقال الحسن ، وقتادة : هي التي تختنق بحبل الصّائد وغيره. قلت : والمنخنقة حرام كيف وقع ذلك ، قال ابن قتيبة : (وَالْمَوْقُوذَةُ) : التي تضرب حتى توقذ ، أي : تشرف على الموت ، ثم تترك حتى تموت ، وتؤكل بغير ذكاة ، ومنه يقال : فلان وقيذ ، وقد وقذته العبادة. و «المتردّية» : الواقعة من جبل أو حائط ، أو في بئر ، يقال : تردّى : إذا سقط. (وَالنَّطِيحَةُ) : التي تنطحها شاة أخرى أو بقرة ، «فعيلة» في معنى «مفعولة» (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، وأبو مجلز ، وابن أبي ليلى : السّبع : بسكون الباء. والمراد : ما افترسه فأكل بعضه (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) أي : إلا ما لحقتم من هذا كلّه وبه حياة ، فذبحتموه (٣). فأمّا الاستثناء ، ففيه قولان : أحدهما : أنه يرجع إلى المذكور من عند قوله تعالى :
__________________
(١) سورة التوبة : ٥.
(٢) سورة التوبة : ٣٨.
(٣) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٢٩١ : «مسألة : وإذا ندّ بعيره فلم يقدر عليه فرماه بسهم أو نحوه مما يسيل به دمه فقتله أكل». قال : وكذلك إذا تردى في بئر فلم يقدر على تذكيته ، فجرحه في أي موضع قدر عليه ، فقتله أكل ، إلا أن تكون رأسه في الماء فلا يؤكل ، لأن الماء يعين على قتله ، هذا قول أكثر الفقهاء ،