إن كرامة الإنسان تفرض عليه أن يدفع عن وجوده الضيم والذل ، بكل ما يملك من وسائل مادية وغير مادية ، وإلا فقد باع إنسانيّته بثمن بخس ، ودرج نفسه فى قائمة الخسيس من الحيوان.
ولن يقيم على ضيم يراد به |
|
إلا الأذلّان : غير الحىّ والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمّته |
|
وذا يشج فلا يرثى له أحد |
وحين لا يجد الإنسان بين يديه القوة التي يدفع بها يد الظلم المسلّطة عليه ، كان إمساك نفسه على هذا المرعى الخبيث وعدم التحول عنه ، إقرارا بقبول الظلم ، ونزولا على حكم الظالمين.
لهذا أوجب الإسلام على المسلم أن يحرك فى نفسه كل قواه ، لإنكار هذا الظلم ، والتصدّى له : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) .. فحيث أمكنت المسلم القوة التي يدفع بها يد الظلم والبغي ، وجب عليه أن يستعمل حقه ، فى الدفاع عن نفسه ، وصيانة كرامته وإنسانيته ..
وسلاح آخر ، وضعه الإسلام فى يد المسلم حين تخلو يده من سلاح القوة ، وهو الهجرة من ديار الظالمين ، إلى أرض الله الواسعة ، حيث يجد الإنسان وجوده وإنسانيته .. وبهذا يستنقذ نفسه ، ويفوّت على الظالمين إشباع شهوة الظلم والتسلط ، فيه ، وفى غيره من المستضعفين ، حيث فتح لهم الطريق إلى الخلاص مما هم فيه من بلاء ، بالهجرة والفرار من وجه الظالمين!
وفى هذا الحديث الذي يدور بين الملائكة ، وبين أولئك المستضعفين الذي أبوا أن يتحولوا عن مواطن الظلم ـ إيثارا لديارهم وأهليهم على كرامتهم وإنسانيتهم ، ومعتقدهم ـ فى هذا الحديث مساءلة لهؤلاء الذين استضعفوا فقبلوا هذا الاستضعاف ورضوا به ، واتهام لهم بتلك الجناية التي جنوها على أنفسهم ،