وكيف وهذه أحكام الله بيّنة ، وحدوده واضحة؟ وكيف وإرادته متجهة إلى هدايتهم والتوبة عليهم؟
والذي نحبّ أن نفهم عليه إرادة الله سبحانه وتعالى هنا ، وفى غيرها من المواضع المشابهة ـ هو «الطلب» غير الملزم ، حتى يكون للإنسان مجال للاختيار بين الاستجابة للطلب ، أو التأتّى عليه ، وبهذا يشعر الإنسان بوجوده الذاتي ، وبالمسئولية الملقاة عليه .. وعلى هذا يكون حسابه وجزاؤه ، بالخير خيرا ، وبالشر شرا .. وذلك فى كل أمر للإنسان فيه إرادة وعمل .. أما حين لا يكون لما يريده الله متعلّق بعمل العبد ، فهى إرادة مطلقة نافذة ..
فالإرادة فى قوله سبحانه : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) .. إرادة خالصة لله ، لا متعلّق للعباد بها ، لأنها تتعلق بشرع الله الذي يشرعه للمسلمين ، كما شرعه لعباده من قبل على يد أنبيائه ورسله .. وعلى هذا فهى إرادة نافذة .. لأنه لا متعلّق للعباد بشرع الأحكام ، وإقامة حدودها.
أما الإرادة فى قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) فهى إرادة طلب ، ودعوة ، متجهة إلى العباد ، ولهم أن يستجيبوا لهذا الطلب وأن يلبّوا تلك الدعوة ، أو يتوقّفوا.
فالله سبحانه ، قد دعا عباده إلى التوبة ، فى آيات كثيرة .. فقال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٣١ : النور) وقال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٨ : التحريم).
فمطلوب من العباد أن يتقدموا إلى الله بالتوبة ، فإذا تابوا تاب الله