وقد ذهب معظم المفسرين مذاهب شتى فى «ذى الكفل» وكان أضعف الآراء عندهم فيه ، أنه نبى ، من أنبياء الله ..
والرأى عندنا والله أعلم ـ أنه نبىّ ، وأن أبرز صفة فى حياته كانت صفة الصبر .. أما رسالته ، وأما قومه ، فشأنه فى هذا شأن إدريس ، الذي لم يذكر له القرآن رسالة ولا قوما .. كما أننا نرجح أنه زكريا ـ عليهالسلام ـ لأنه هو الذي كفل مريم ، كما يقول الله تعالى : (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا)
وتسأل : ما حكمة ذكر إدريس وذى الكفل ، هذا الذكر الذي لا يحوى إلا اسميهما دون أن تلحق بما قصة تستملى منها العبرة والعظة؟
والجواب على هذا ـ والله أعلم ـ أن ذكرهما فى القرآن الكريم لم يكن مساقا للعبرة والعظة ، ففيما حدث به القرآن من قصص الأنبياء أكثر من عبرة وعظة .. وإنما كان ذكرهما تكريما لهما ، وحفظا لاسميهما الكريمين على الزمن ، ونظمهما فى عباد الله المصطفين من أنبيائه ورسله ..
وفى هذا تحقيق لأمرين :
أولهما : ما يجده الأحياء الذين يشهدون هذا الحديث ، من إحسان الله سبحانه وتعالى إلى المحسنين من عباده ، بعد أن يتركوا هذه الدنيا ، وذلك برفع ذكرهم ، وتخليد آثارهم ، وفى هذا ما يغرى بالإحسان ، وبتمجيد المحسنين ..
وثانيهما : ألا يحرم هذان النبيان نصيبهما من دعاء المؤمنين على امتداد الأزمان ، حيث يصلّى المصلون على أنبياء الله ، وحيث يذكرهم الذاكرون واحدا واحدا.
قوله تعالى :
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ