ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) ..
وقدّم أيوب على إسماعيل ، مع أنه فرع من إبراهيم ، وإسماعيل أصل .. لأن أيوب طالت محنته ، وطال انتظاره فى موقف البلاء سنين ، وهو صابر ومصابر ، ولم يضجر ، ولم يتكثر من الأنين والشكوى. أما إسماعيل فقد كان ابتلاؤه لساعة من الزمن ، ثم انجلى الكرب وزالت المحنة .. ومن جهة أخرى ، فإن إسماعيل كان ـ فى مواجهة هذا الابتلاء ما يزال غلاما ، لم يقع فى نفسه ، وقوعا واضحا كاملا أثر هذا الفعل الذي هو مساق إليه .. ولهذا كانت البلوى ، أو كان الجانب الأكبر منها واقعا على أبيه إبراهيم ، ومن أجل هذا كان حسابها مضافا إلى إبراهيم ، وإن كان لإسماعيل حسابه ، وهو حساب وإن قلّ ـ بالإضافة إلى أبيه ـ هو شىء عظيم رائع ، ترجح به موازينه فى الصابرين من عباد الله .. وذلك على حين كان أيوب فى دور الرجولة ، وفى حال لبس فيها الشباب ، والصحة ، وذاق حلاوة الغنى ، وعرف طعمها ، فكان انتزاع هذا كله منه ، أشدّ وقعا وأمرّ طعما مما لو وقع عليه ابتداء.
هذا وقد ذكر مع إسماعيل «إدريس» و«ذو الكفل».
أما إدريس فهو ممن ذكرهم الله من أنبيائه ، كما يقول سبحانه : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا :) (٥٦ : مريم) .. ولم يذكر القرآن عن إدريس أكثر من أنه كان نبيا وكان من الصابرين .. فلم يكن له فى القرآن قصة كقصة ، صالح ، وهود ، وإبراهيم ، ولوط ، وموسى ، وغيرهم من رسل الله ..
وأما «ذو الكفل» فلم يذكر إلا فى هذا الموضع ، وقد اجتمع مع النبيين الكريمين : إسماعيل وإدريس ، وشاركهما فى صفة الصبر .. كما يقول سبحانه (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ..