هنا كلام مضمر ، يشير إليه العطف بالفاء (فَنادى) .. وهذا المضمر ، قد ذكر فى آيات أخرى من القرآن الكريم ، وفى هذا يقول سبحانه : (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) (١٣٩ ـ ١٤٢ : الصافات).
فحرف العطف «الفاء» يشير إلى هذه الآيات .. والمعنى أن يونس لما ذهب مغاضبا قومه ، ظانّا أن لن نقدر عليه ، أبق (أي هرب) (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) أي الذي شحن وامتلئ بالناس والأمتعة ، حتى فاض ، وكاد يغوص فى الماء .. وإنقاذا للسفينة من الغرق رؤى أن يتخفف من أمتعتها ، ثم من بعض الراكبين فيها ، وقد ارتضى الركاب أن يقترعوا فيما بينهم على من يخلى السفينة ، ويلقى بنفسه فى الماء ، ولو كان فى ذلك هلاكه ، إذ أن فى هلاكه نجاة كثيرين.
وقد وقعت القرعة على يونس فيمن وقعت عليهم ، ليلقوا بأنفسهم فى البحر .. (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) أي الساقطين ، المخذولين .. وأرض دحض أي زلق ، لا تمسك قدمى من يمشى عليها ، وحجة داحجة : أي ساقطة ، غير مقبولة ..
فلما ألقى يونس بنفسه فى الماء ، التقمه الحوت. (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) والمراد بالنداء ، الدعاء ، والتسبيح لله .. كما يقول سبحانه : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) و (الظُّلُماتِ) هى هذا الظلام الكثيف المشتمل عليه فى بطن الحوت ، حيث لا ينفذ إليه شعاعة من ضوء.
وقد ذكر المفسّرون أن هذه الظلمات ، هى ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت ، وظلمة الليل ..