وأنه لا حاجة إلى هذا التكلّف ، لإيجاد وجه لجمع الظلمات .. والبحر نفسه هو ظلمات ، وبطن الحوت ظلمات وظلمات .. فما الحاجة إلى الليل ، حتى تصبح الظلمة ظلمات؟ وهل فى أعماق البحر ، أو فى جوف الحوت ، حساب للّيل أو النهار ، والظلام والنور؟ .. والله سبحانه وتعالى يقول : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (٤٠ : النور) إن ما فى أعماق البحر ، ليست ظلمات وحسب ، وإنما هى ظلمات ، فوق ظلمات ، فوق ظلمات!
وقوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) أي أن الله سبحانه قد استجاب دعاء يونس ، ونجّاه مما هو فيه من غمّ ، وكذلك ينجى الله المؤمنين ، مما ينزل بهم من سوء ، وما يصيبهم من بلاء ..
ويونس لم يدع إلا بقوله : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) .. فهو دعاء لم يطلب فيه نجاة أو خلاصا من هذا البلاء الذي هو فيه .. ففيم استجاب الله له؟
والجواب ـ والله أعلم ـ أنه دعا بأفضل دعاء يقتضيه حاله ، ويطلبه موقفه. إنه قد أتى من قبل نفسه ، وإنّ نفسه هى التي أوقعته فى هذا البلاء ، ودفعت به إلى هذا الموقف الذي هو فيه ، فهو فى دعائه هذا يطلب البراءة من نفسه ، والنجاة من شباكها ، وذلك بإخلاص العبودية لله ، والبراءة من كل شىء ، حتى من نفسه هذه ، والاستسلام لله الذي لا إله إلا هو ..
وإنه إذا خلص من نفسه ، وبرىء من أهوائها ونوازعها ، فقد خلص من كل سوء ، وأمن كل مكروه .. ومن هنا كان خلاصه من بطن الحوت ، وكانت نجاته من هذا البلاء .. وهكذا كل من يضيف وجوده إلى الله ،