ضوؤها انجحروا وقضوا يومهم فى ظلام دامس .. فآية النهار قائمة ، ولكنها بالنسبة لهم منسوخة غير عاملة.
وثانيا : أن الذين آمنوا بهذا النبىّ ، والذين يؤمنون به فى كل جيل من أجيال الناس ، وفى كل أمة من الأمم ، وفى كل جماعة من الجماعات ، هم رحمة فى هذه الدنيا على أهلها جميعا ، إذ كانوا ـ بما معهم من إيمان ـ عناصر خير ، وخمائر رحمة ، ومصابيح هدى .. وبهم تنكسر ضراوة الشر ، وتخفّ وطأة الظلم ، وترقّ كثافة الظلام.
وثالثا : هذا الكتاب الذي تلقّاه النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وحيا من ربّه ، وهذه الآيات المضيئة التي نطق بها ، والتي وعتها الآذان ، وسلجتها الصحف .. كل هذا رحمة قائمة فى الناس جميعا ، وميراث من النور والهدى ، يستهدى به الناس ، ويصيبون منه ما يسع جهدهم ، وما تطول أيديهم من خير ..
وعلى هذا ، فالمراد بالعالمين ، الناس جميعا ، منذ مبعث النبىّ ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى : (أَرْسَلْناكَ) الذي يفهم منه أن الرحمة كانت منذ إرساله ومبعثه ، صلوات الله وسلامه عليه ..
قوله تعالى :
(قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ .. فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
هذه هى الرحمة التي يؤذّن بها النبىّ فى الناس ، ويقدمها هدية لهم .. (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) .. هذا هو مفتاح الرحمة ، وذلك هو مفتاح الهدى .. فمن أمسك بقلبه هذا المفتاح ، ثم أداره ، فقد وضع يده على كنوز الخير كلها ..